أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

نوافذ الوجدان : _قصة قصيرة للاديب عميد أ/ح رءوف جنيدى

نوافذ الوجدان : _

من خلف ستائر الحياء . وعرفاناً بوالد ربى على الطهر والعفاف . وبراً بأم طبعت على كف ابنتها تعاليم العفة والشرف . راحت هذه الحسناء تلقى أولى نظراتها على شارع الأمل . بعد أن خفق قلبها أولى خفقاته . وابتهجت الروح بأول من نقر على بابها . ولم يبق الا التطلع الى ما وقر فى القلب وصدقه الإحساس . تنظر الحسناء من نافذتها على استحياء . تلك النافذة التى حدثها عنها قلبها حديث صدق . باتت بعده الفتاة على يقين أن نافذتها هذه تطل على سنة الله ورسوله . وعلى صداق سيسمى قريباً بينهم .
وحيناً فحيناً كانت الحسناء تصطحب مشاعرها كل مساء فى موكب زفافى جميل لتقف بهم عند حافة نافذتها . حتى إذا أطل الشاب من نافذته . أسرعت تخفى جوارحها خلفها . وكأن أم تحجب صغارها طى ثيابها حتى لا يرون ما لم تسمح به أعمارهم بعد . تاركةً عينيها فقط تطلق سهام الأمل والرجاء . فلم تعد العيون قاصرات الطرف بعد أن بلغت سن الرشد . منذ أن أطل هذا الشاب من نافذة غرفته المقابلة لغرفتها …
تحدثت الحسناء كثيراً مع قلبها الذى أخبرها أنه آنس من جانب بيتها نوراً لعله يأتيها منه بقبس أو يجد على النور هدى . ومرة تلو الأخرى ترسل الحسناء أطراف مشاعرها عبر نافذتها لتمكث غير بعيد من نافذة الحبيب . فقد تحاط بما لم يحط به قلبها . أو أن تأتى من عنده بنبأ يقين . تفرغه الحسناء كل حين فوق صفحات أوراقها . فوق سفح عينيها . بين راحتيها . تقلب فيها يميناً ويساراً . تزيح طيات العشق التى تغمدت الحبيب . تفك عنه خيوطاً حريرية غلفته . تخرج هذا الساكن من بين لفائف الشوق . رويداً رويداً يتمثل لها الحبيب بين كفيها بشراً سوياً . تداعبه . تلاطفه . تتحسسه . تلمع عيناه فى راحتيها . يدق قلبه بين يديها . سرعان ما تفيق من غفوتها . فهو مازال واقفاً عند نافذته …
تمر الأيام وتقضى الحسناء لياليها الطوال تجلس كل ليلة وسط مشاعر بكر و جوارح بريئات . تتفقد وجوههن . وفى كل مرة تسأل : مالى لا أرى قلبى أم كان من الغائبين . ليخبروها أنه عند حافة النافذة لا يغادرها منذ حين . إحمرت خدود الحسناء خجلاً مما فعله قلبها الذى افتضح أمره ولم يعد قادراً ولا راغباً فى كتمان سره . ولكن سرعان ما طمأنتها باقى جوارحها . فما خفق قلبها البرئ إلا فيما أحل الله . ولا نطق صوت انوثتها إلا ابتغاءاً لشرع الله وسنة رسوله . أليس سبحانه وتعالى هو الذى خلق بين جنبيها نفساً طهوراً وخلق منها زوجها ؟ أليس سبحانه وتعالى هو الذى خلق لنا من أنفسنا أزواجأً لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة ؟ ….
باتت الحسناء تتحسس الحبيب فى كل شئ . تتحسسه بين خصلات شعرها . فى طيات ملابسها . فوق حوائط غرفتها . صارت تراه . تنشده . تناشده . تتشممه . تسمع صوته فى كل من يناديها . تراه فى كل ما تقع عليه عيناها .تشعر بأصابعه تمشط معها شعرها . تقلب معها صفحات كتبها . تربت على كتفها . تمسح عنها دموعها . كادت تحادثه بل هى بالفعل كلمته : الا تنوى المجئ ؟ . ألم تصل إلى سمعك ضربات قلبى ؟ . ألم يصلك نداء جوارحى ؟ . ألم يصلك طنين شوقى ووجدانى ؟ . يا سيد القلب : ناشدت المآذن لتسمعك ندائي . ناشدت الكنائس لتسمعك أجراسى . ناقوس القلب يدق لك وحنايا الأضلع معبدك . ألم تسر بك مشاعرك الى حيث أنا ؟ . ألم يعرج بك أحساسك الى سدرة منتهاي ؟ .. هيا أقنت فى بهو عمرى واركع واسجد لربك فوق نياط قلبى …………أفاقت ……. فمازال الحبيب بعيداً …
فى ليلة تزلزل فيها كيانها يوم أن دعتها أمها لتهمس فى أذنها أن أناساً اتصلوا بوالدها يطلبون الإذن بالزيارة آملين أن تكونين عروساً لإبنهم . سرعان ما طار عقلها الى حيث يسكن شاغل الفكر والبال . ولما لم تجد منه ما يوحى بأنه هو القادم . بادرت بالرد سريعاً رافضة متعللة باستكمال دراستها . ولتفسح لحبيبها الطريق . انزعجت الأم : ولم الرفض يا بنيتى فهم أسرة مشهود لها بحسن السمعة وطيب الخلق ؟ . قالت الفتاة : أتعرفينهم يا أمى ؟ قالت : نعم فهم من يسكنون أمامنا . انتفض قلب الحسناء انتفاضة كادت أن تسمع الحى كله . ارتبكت . تفككت اوصالها . كادت أن تسقط على الأرض . وبحس الأنثى استشعرت الأم الموافقة بل الترحيب . انصرفت الأم وهى تدعو لابنتها أن يتم الله الأمر على خير . لم ترد الإبنة فمازال اللسان معقوداً والقلب بين مهابة ورجاء .
كادت الفتاة أن تجرى خلف أمها لتقبلها . هامت على وجهها فى المنزل تقبل بعينيها كل شئ تقع عليه . انسابت مشاعرها فى كل أنحاء المنزل تتراقص فى أركانه . تعتلى جدرانه . تتقافز فوق أسطح أثاثاته . وكأن طفلة ولدت لتوها من جوارحها تغمرها السعادة . ازدهر الكون . ازداد الوجود جمالاً . تألقت الدنيا . تفتحت زهراتها بعد أن حطت فوقها فراشات الخصوبة . تطاير شذى ورودها عبر نافذتها الى حيث يسكن الحبيب . حاملةً فى عبقها الموافقة والترحيب به قبل أن يأتى …
يومين وجاء الموعد . جاء الحبيب بصحبة أمه . تقدما الى غرفة الاستقبال . ترقبهما الحسناء من طرف خفى . بعد قليل نادتها أمها . دخلت عليهم فى دلالٍ وجمال . ملفوفة القوام فى أشيك أزيائها . معطرة بأطيب عطورها . يتمايل غصنها على وقع خطاها . وتتمايل معه نظرات الأم وقلب الإبن . جلست . القلب يخفق والمشاعر ترتجف . الجوارح ضارعة إلى الله أن يتم عليها فرحتها . وخلسة : ألقت نظرة فى عين الحبيب . رأته وقد رفع راية الأستسلام أمام جمالٍ أخاذ وسحرٍ لا يقاوم . وأسرة تبدو أصيلة الحسب والنسب . استأذن الحبيب وأمه فى الانصراف على أمل العودة . سأل الوالد الأم ليلتها عن موافقة الأبنة . فابتسمت الأم وفهم الأب .
مر اسبوع اتفقا عليه . قضته الفتاة تناشد فيه الشمس أن تغيب . ليأتى اليوم الذى يليه . تناشد فيه عقارب الساعة أن تسرع خطاها . تناجى فيه كل ليلة وسادة مبللة بدموع الأمل المعقود على بعد خطوات قليلات . اتصل الجيران للإطمئنان . فأبدى الوالد الترحيب و الموافقة التى وصلت سلفاً عبر نوافذ الوجدان . تحدد يوم جاء فيه العريس بصحبة والديه . حاملاً بين يديه علبةً قطيفية الملمس . و بين جنبيه قلباً شاكراً لله جزيل عطاءه . وعلى ألسنتهم ترقد آيات من الذكر الحكيم من سورة الفاتحة . عسى الله أن يحفهما برعايته . وأن يسكن فى قلبيهما سبعاً من المثانى والقرآن العظيم . ليبدءا حياتهما بحمد الله رب العالمين . وليعيشان غير مغضوب عليهما ولا ضالين …… آمين ..

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.