الرفق بالحيوان وسلوك الإنسان
د. أحمد عبد الصبور
الرفق بالحيوان سلوك تحض عليه التعاليم الدينية والإنسانية ، وذلك لأهميته ودوره في صياغة السلوك المتوافق مع آليات الحياة الصالحة وإيقاع التواصل والبقاء .
وفي المجتمعات المتحضرة يحسب عدم الرفق بالحيوان سلوكاً ينذر بتفاعلات عنيفة ، فالشخص الذي يكون عنيفاً وقاسياً مع الحيوان ، يتوقع منه أن يكون كذلك مع غيره من البشر ، والكثير من مرتكبي الجرائم تجد في سجلاتهم ما يشير إلى شراسة التعامل مع الحيوان .
وعند الأطفال يؤخذ هذا السلوك بجدية قصوى لأنه يشير إلى العدوانية الكامنة ، وإحتمال أن يكون الطفل عدوانياً ومؤهلاً للإجرام في صباه وبعد ذلك .
والمجتمعات التي يتنامى فيها العنف ، لا تعير إهتماماً للرفق بالحيوان ، وإنما الشائع فيها القسوة المروعة على الحيوانات بأنواعها ، وخصوصاً الكلاب والقطط ، التي تبدو في مأزق االعدوان الدائم عليها ، ويظهر ذلك في طريقة التعامل معها ، وقد نشأ الكثيرون على أن القسوة على الحيوان سلوك مقبول .
وفي بعض المجتمعات تعاني الكلاب من القسوة المفرطة ، لأسباب وتصورات ومعتقدات ، تساهم في بناء العدوانية وتعزيزها في دنيا البشر وعبر الأجيال .
وهذا السلوك العدواني الموجه ضد الحيوانات يعزز تنمية المشاعر العدوانية في السلوك العام في المجتمع ، ويؤدي إلى القبول بها وتحويلها إلى عادة سلوكية مكررة ، فالقسوة على الحيوان تنتقل إلى سلوك القسوة على البشر ، والعدوانية على الحيوان تترجم إلى عدوانية على الناس ، وهكذا يتحقق بناء السلوك العدواني الذي يتضرر به الجميع .
إن الرفق بالحيوان سلوك تربوي يبدأ في البيت ورياض الأطفال والمدرسة ، والعلاقة الحميمة مع الحيوان تساهم في بناء الأسس الصحيحة لعلاقات بشرية حميمة ، فالحيوان له دور مهم في صياغة السلوك البشري ، وبسبب ذلك ومن دون وعي البشر ، تمكن من التآلف مع حيوانات متنوعة عبر العصور ، ربما لإدراكه الغريزي أنها ضرورية لتهذيب سلوكه وتطويعه ، وتصريف الكثير من طاقاته السلبية .
ولهذا فأن من الممارسات المهمة لتقليل درجات العدوانية وإضعاف القسوة ، أن تنتشر ثقافة الرفق بالحيوان ، والتشجيع على رعايته والعناية به ، وإحترام حقه في الحياة ، لكي نتمكن من إدراك ضرورات إحترام حق الحياة للجميع .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« بينما رجل يمشي بطريق ، إشتد عليه العطش ، فوجد بئراً نزل فيها فشرب منها ، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له » ، قالوا : يا رسول الله ، إن لنا في البهائم أجراً ؟ فقال : « في كل كبدٍ رطبة أجر » ( متفق عليه ) .
ويرشد الحديث إلى معاني البذل والإحسان والمعروف لجميع الكائنات التي بثها الله في الكون ، وفي الحديث جعل الله عز وجل الرحمة بالحيوان والرفق به من العبادة التي تجلب رضا الله ومغفرته ، وتلك إشارة تربوية إلى حرص الإسلام على تربية أبنائه على الرحمة والرفق بالحيوان .
حيث ينبثق هذا الحديث الشريف عن النظرة الإسلامية لمفهوم الرحمة بمعناها الشامل للكائنات التي بثها الله في هذا الكون الرحيب وخاصة عالم الإنسان وعالم الحيوان ، تلك الرحمة التي تجعل قلب المؤمن يشع برحمته على من حوله ، وهذا ما تناوله الحديث في مضمونه الذي جاء بأسلوب قصة واقعية حدثت ، وليست خيالية ضربت مثلاً …
إنه رجل إستبد به العطش لدرجة كبيرة دفعته للبحث عن قطرة ماء ، ولكن رحمة الله أدركته عندما وجد بعد طول بحث وعناء ماء ، فنزل وشرب حتى إرتوى ، وحمد الله على ذلك ، ولكنه عند خروجه من ذلك البئر وجد كلباً يلهث من شدة العطش ، فأخذته الرحمة بهذا الحيوان الأعجم وتذكر حالته عندما كان في الظمأ ، فنزل إلى البئر مرة أخرى فملأ خفه ماء وسقى ذلك الكلب الظمآن فشكر الله له ذلك الصنيع وأثابه خيراً ، وغفر له ذنبه .
هذه خلاصة الحديث الشريف التي جاءت دعوة للرفق والرحمة بالحيوان ، تلك الدعوة التي سبقت الداعين إلى الرفق بالحيوان اليوم بمئات السنين ، وهذه الدعوة الإسلامية للرفق بالحيوان لم تحرز السبق في الزمان فقط ، بل في المحتوى الحقيقي للرحمة الشاملة بالإنسان والحيوان ، فالدعوات الحديثة التي قامت للرفق بالحيوان اليوم والتي إتخذت طابع التقدم والحضارة والرقي والبعد الإنساني ، نجد أصحابها يتناسون حقوق الإنسان في كثير من البلدان ويستخدمون أشنع وأبشع وسائل الدمار والإبادة للجنس البشري الذي كرّمه الله تعالى .
ولكن الشريعة الإسلامية دعت إلى الرحمة الشاملة في عالم الإنسان أولاً ثم إلى الرحمة بالحيوان ثانياً كما ورد في الحديث الشريف الذي جعل الرحمة بالحيوان والرفق به لوناً من ألوان العبادة التي تجلب رضوان الله ومغفرته ، وتلك إشارة تربوية سامية حرص الإسلام على تربية أبنائه عليها وهذا ما وضحه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في قوله صلى الله عليه وسلم : « في كل كبدٍ رطبة أجر » .
فالرحمة بالحيوان عبادة بنظر الإسلام تجلب الثواب والمغفرة ، والقسوة على الحيوان والغلظة عليه مما يتسبب في هلاكه جريمة بنظر الإسلام يعاقب الله عليها بالعذاب الأليم يوم القيامة ، وهذا المفهوم وضحه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« عذبت إمرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض » هذه هي نظرة الإسلام إلى الرحمة بالحيوان التي جعلها الإسلام عبادة ، وجعل تعذيبه سبباً في دخول النار ، فهل جاءت قوانين للبشر في الرفق بالحيوان والبعد عن تعذيبه كما جاء معنا في هذه الأحاديث التي جاءت مثلاً أعلى في الرحمة بهذه المخلوقات الضعيفة ؟
إن العالم يحتفل في 4 أكتوبر من كل عام ، بـ اليوم العالمي للحيوان من أجل التوعية بضرورة الرفق به ولحماية الأنواع القليلة من الإنقراض .
وكذلك بـ اليوم العالمي للطبيب البيطري ، والذي يوافق السبت الأخير من شهر أبريل من كل عام حسب قرار الإتحاد العالمي للأطباء البيطريين (WVA) في بلجيكا منذ عام 2000 م ومنظمة صحة الحيوان (OIE) ، والذي أنشئ بهدف التوعية بمهنة الطب البيطري في خدمة المجتمع والحفاظ على الصحة العامة وتنمية الإقتصاد .
يشار إلى أن اليوم العالمي للحيوان هو يوم دولي للعمل من أجل حقوق الحيوان ، وتم إختيار هذا اليوم لإحياء ذكرى القديس الكاثوليكي ” فرنسيس الأسيزي ” الذي كان ينادي بالرفق بالحيوانات ... وأتخذ قرار الإحتفال بهذا اليوم في المؤتمر الدولي لحركة حماية الطبيعة الذي عقد في فلورنسا بإيطاليا عام 1931م .
( أختير تاريخ 4 أكتوبر لسبب أن هذا اليوم كما هو معروف يوم إحياء ذكرى القديس الكاثوليكي ” فرنسيس الأسيزي ” « يوم عيد القديس فرنسيس الأسيزي 1181/1182 – 4 أكتوبر 1226» والذي كان ينادي بالرفق بالحيوانات ) .
وتقام الصلوات الكنسية في العديد من البلدان في اليوم العالمي للحيوان أو 4 أكتوبرأو في الأيام القريبة من هذا التاريخ .
حيث إعتاد على الإحتفال بهذا اليوم من خلال تنظيم ندوات من قبل مربي الحيوانات والأطباء البيطريين والمتخصصين للتوعية بكيفية رعاية تلك الحيوانات بالطريقة الصحيحة .
كما يعد اليوم حدثاً عالمياً يوحد حركة حماية الحيوان ، بقيادة ورعاية مؤسسة ناتوريواتش الخيرية لرعاية الحيوان ومقرها المملكة المتحدة ، منذ عام 2003 م .
وقد وضعت المبادئ للحفاظ على الحيوانات من الإنقراض بواسطة الجمعية الدولية لحقوق الحيوان بمناسبة الإجتماع الدولي لحقوق الحيوان الذي تم إنعقاده في لندن يوم 21 إلى 23 سبتمبر 1977م .
وأعلن عن الإعلان العالمي لحقوق الحيوان في باريس في 15 أكتوبر 1978 م في مقر اليونيسكو ، كما قدم النص المنقح من قبل الجمعية الدولية لحقوق الحيوان في 1989 م إلى المدير العام لليونيسكو وصدور الإعلان العالمي لحقوق الحيوان في عام 1990 م .
وكذلك هناك أيام أخرى مرتبطة بحقوق الحيوانات مهمة جداً مثل : اليوم العالمي للحيوانات المختبرية في 24 أبريل ، و اليوم العالمي للحياة البرية يوم 3 مارس .
أما هنا في جمهورية مصر العربية … فقد قالت ” منى خليل ” ، رئيس إتحاد جمعيات الرفق بالحيوان ، إن مشكلة الكلاب الضالة في مصر منذ أربعين عاماً ، والحلول على مدار السنوات الماضية كانت تسميم وقتل الكلاب في شوارع مصر وهذه الحلول لم تقلل أو تنهي أزمة الكلاب في الشوارع .
وأضافت ” منى خليل ” خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية ” إيمان الحصري ” ، في برنامج « مساء دي إم سي » ، على قناة « إم بي سي مصر » ، أن الدولة تتحمل تكلفة كبيرة في شراء سم فتاك من الخارج بالعملة الصعبة لقتل الكلاب ، لافتة إلى أن الجهات المسؤلة ليس لديها وسيلة لحل أزمة الكلاب غير التسميم ، ولكن الحلول العلمية التي تم تطبيقها وهي التعقيم والتطعيم .
وأوضحت ، أن جمعيات الرفق بالحيوان تعمل بإمكانياتها الخاصة ومواردها الخاصة سواء للتعقيم أو التطعيم ، بينما نقل الحيوان من مكان إلى مكان آخر لن يحل المشكلة ، ويجب التعامل مع الأزمة بشكل علمي بعيداً عن قتل الكلاب .
وأشارت ” منى خليل ” ، رئيس إتحاد جمعيات الرفق بالحيوان ، إنه تم الإعلان رسمياً أمام مجلس النواب عن وصول عدد الكلاب الضالة في مصر إلى 6.5 مليون كلب ضال .
وفي سياق منفصل متصل أوضحت أيضاً « منى خليل » ، خلال حوارها بـ برنامج « حديث القاهرة » ، مع الإعلامية ” كريمة عوض ” ، عبر شاشة « القاهرة والناس » ، أنه يجب أن يكون هناك تحرك قانوني من قبل الخدمات البيطرية ونقابة الأطباء بإيقاف المواد في القانون التي تشرع بتسميم الكلاب الضالة .
وأضافت أن قتل الكلاب يتعارض مع العلم والتوازن البيئي ، مشيرة إلى أن السم يهدد الصحة العامة والبيئة بتلويثها ، ويعد مشهداً من مشاهد العنف .
وأشارت رئيس إتحاد جمعيات الرفق بالحيوان إلى أن ما تتخذه الدول الكبرى تجاه الحيوانات الضالة كالكلاب في الشوارع هو التعقيم والتطهير ، منوهة إلى أن الجمعيات المدنية هي ما تقوم بتعقيم الحيوانات .
إن العالم يحتفل بـ اليوم العالمي للكلاب في 26 أغسطس من كل عام ، وبالرغم من الدور الذي تلعبه المجتمعات عن رعاية هذا الحيوان ، قد نجد العديد من الحوادث التي أنتشرت مؤخراً عن حالات العنف للكلاب بالشوارع وغيرها ، وقد أثبتت دراسات العلوم النفسية مؤخراً أن هؤلاء الأشخاص قد يحتاجون إلى تأهيل نفسي .
وأوضحت دراسة أمريكية أجراها الرائد الأمريكي في العلوم النفسية ( فرانك آسيون ) في جامعة دنفر في ولاية كولورادو الأمريكية أن العنف والقسوة التي يعامل بها الحيوان هي منذر للعنف الذي يرتكب ضد الأطفال والمرأة وكبار السن .
وفي دراسة أجراها عالم الإجرام السويسري ( مارتن كيلياسن ) على ما يقارب 3600 شاب تتراوح أعمارهم ما بين 13 و16 عاماً ، كشفت الدراسة أن 12% من هؤلاء الشباب (17% من الذكور و8% من الإناث) إعترفوا بأنهم أساءوا معاملة الحيوان ، مشيراً إلى أن التحليلات الإحصائية لهؤلاء الأطفال إرتكبوا ضعف زملائهم ثلاث مرات جنح خطيرة ، ويدل ذلك على أن هذا الشخص الذي يتعامل بعنف مع الحيوان يملك قلباً لئيماً وقسوة القلب ، وربطت الدراسات والإحصائيات الأمريكية بين الوحشية تجاه الحيوانات والعنف تجاه البشر .
– هنالك إرتباط بين سوء معاملة الحيوانات والعنف الأسري والأشكال الأخرى من العنف الإجتماعي .
– الأشخاص الذين يمارسون العنف مع الحيوانات من النادر أن لا يمارسوا العنف ضد البشر .
– الفرد الذي يشهد حالات العنف المختلفة يكون أكثر تعوداً وتقبلاً لها .
– قد يمارس الأطفال والمراهقين العنف تجاه الحيوانات بدافع : ( الفضول وحب الإستكشاف ) أو ( تنفيس الضغط ) أو ( تحسين المزاج ) أو ( كطريقة لإيذاء الآخرين عاطفياً ) أو قد تكون ( ممارسة للعنف المستقبلي ) .
– قد يمارس البالغون أيضاً العنف تجاه الحيوانات في محاولة ( لزيادة قدرتها على تحمل الألم ) أو ( لزيادة عدوانيتها مثل محاولة تدريب الكلاب لتكون أكثر عنفاً بإستخدام حيوانات أخرى ) أو ( لإرضاء رغباتهم السادية في الإستمتاع برؤية معاناة هذه الحيوانات ) .
– هنالك إرتباط مذهل بين ممارسة الطفل للعنف تجاه الحيوانات وممارسته كبالغ تجاه البشر .
– الأبحاث في علم النفس والإجتماع والجريمة أظهرت أن العديد من الأشخاص العنيفين كانوا قد إرتكبوا سلسلة من أعمال عنف تجاه الحيوانات في أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة .
– نسبة إرتكاب العنف ضد البشر تزداد 5 مرات لدى الشخص إذا ما كان من مرتكبي العنف ضد الحيوانات في مرحلة البلوغ .
– العنف تجاه الحيوانات ليس مجرد مؤشر على وجود عيب صغير في شخصية الفرد بل هو عَرَض لإضطراب ذهني كبير كما أن القسوة تجاه الحيوانات قد شخصت كمؤشر على إختلال عقلي خطير يؤدي إلى ضحايا من الحيوانات ، وكذلك ضحايا من البشر .
وقد واجه قانون العقوبات سلوكيات الإعتداء علي الحيوانات سواء بالقتل أو السم أو غيرها من الطرق التي من شأنها إلحاق الضرر بها لينتهي مصيرها بالموت ، واضعاً لمرتكبيها عقوبات رادعة .
ونصت المادة (٣٥٥) ، على أن يعاقب بالحبس مع الشغل :
( أولاً ) كل من قتل عمداً بدون مقتض حيواناً من دواب الركوب أو الجر أو الحمل أو من أي نوع من أنواع المواشي أو أضر به ضرراً كبيراً .
( ثانياً ) كل من سم حيواناً من الحيوانات المذكورة بالفقرة السابقة أو سمكاً من الأسماك الموجودة في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض .
ويجوز جعل الجاني تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر .
وكل شروع في الجرائم السالفة الذكر يعاقب عليه بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه .
وأشارت المادة (٣٥٦) إلى أنه إذا أرتكبت الجرائم المنصوص عليها في المادة السابقة ليلاً تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى سبع .
وعاقبت المادة (٣٥٧) بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه كل من قتل عمداً بدون مقتضى أو سم حيواناً من الحيوانات المستأنسة غير المذكورة في المادة ٣٥٥ أو أضر به ضرراً كبيراً .
إن القسوة التي يمارسها الإنسان في التعامل مع الحيوانات والعنف تجاه البشر لهما خصائص مشتركة فكلا الضحيتين ( من الحيوانات أو البشر ) هما كائن حي يشعر بالألم والضيق وربما سيموت من الجراح التي سيتعرض لها .
في الوقت الحاضر وجد أن هناك إرتباط بين سوء معاملة الحيوانات والعنف الأسري والأشكال الأخرى من العنف الإجتماعي … و تشير الأبحاث المتراكمة حول الموضوع إلى أن الأشخاص الذين يمارسون العنف مع الحيوانات من النادر أن لا يمارسوا العنف ضد البشر .
المختصون في مجال حماية الأطفال والحيوانات قلقون من هذه الصلة حيث يرون أن هناك صلة بين العنف تجاه الأطفال والحيوانات تربطهم بنوع من الآدامة الذاتية في حلقة من العنف … أحد الأسباب التي تدفع بإتجاه هذه الصلة هو أن الفرد الذي يشهد حالات العنف المختلفة يكون أكثر تعوداً وتقبلاً لها … حيث توضح الأبحاث أن كلما تعرض الإنسان لموقف بمعين بصورة متكررة كلما أصبح أكثر تقبلاً وإرتياحاً له .
إن العنف تجاه الحيوانات يدمر إحترام الشخص لقيمة الحياة … وإن الأطفال الذي يشهدون عمليات الإساءة للحيوانات يواجهون خطر كبير في أن يمارسوا هم هذه الإساءة بأنفسهم … الإساءة للحيوانات هي مؤشر على السلوك المستقبلي للفرد و على أن القسوة تجاه الحيوانات ممكن أن تكون علامة تحذير حول إمكانية السلوك العنيف للشخص في المستقبل .
قد يمارس البالغون أيضاً العنف تجاه الحيوانات في محاولة لزيادة قدرتها على تحمل الألم أو لزيادة عدوانية هذا الحيوان ( مثل محاولة تدريب الكلاب لتكون أكثر عنفاً بإستخدام حيوانات أخرى ) أو لإرضاء رغباتهم السادية في الإستمتاع برؤية معاناة هذه الحيوانات … وهناك إرتباط مذهل بين ممارسة الطفل للعنف تجاه الحيوانات وممارسته كبالغ تجاه البشر .
في الحقيقة أن أكثر الأدلة موثوقية حول العنف المستقبلي للبالغين هو ممارستهم للعنف تجاه الحيوانات عندما كانوا أطفالاً … يشير الباحثين في علم النفس وعلم الجريمة إلى أن الأشخاص الذي يمارسون العنف ضد الحيوانات لا يتوقفون عندها بل أن العديد منهم يتجهون بعنفهم نحو البشر لاحقاً … الأبحاث في علم النفس والإجتماع والجريمة أظهرت ان العديد من الأشخاص العنيفين كانوا قد إرتكبوا سلسلة من أعمال عنف تجاه الحيوانات في أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة .
الأشخاص الذين يمارسون العنف تجاه الحيوانات الأليفة عندما يكونون أطفالاً يكونون أكثر عرضة لإرتكاب جرائم القتل أو أي من جرائم العنف الأخرى بعد مرحلة البلوغ .
إن نسبة إرتكاب العنف ضد البشر تزداد 5 مرات لدى الشخص إذا ما كان من مرتكبي العنف ضد الحيوانات في مرحلة البلوغ … كما أن هناك علاقة أوثق بين الأمرين حيث وجد أن أكثر المجرمين عنفاً ووحشية هم من قاموا بأبشع عمليات عنف تجاه الحيوانات في طفولتهم .
إن العنف تجاه الحيوانات ليس مجرد مؤشر على وجود عيب صغير في شخصية الفرد بل هو عَرَض لإضطراب ذهني كبير … كما أن القسوة تجاه الحيوانات قد شخصت كمؤشر على إختلال عقلي خطير يؤدي إلى ضحايا من الحيوانات … وكذلك ضحايا من البشر .
وفي مسح إحصائي تم إجراؤه للمرضى النفسيين الذين لديهم تاريخ في تعذيب الحيوانات وجد أنهم عنيفون جداً تجاه البشر أيضاً فممارسة العنف يولد عنف أكثر بمرور الوقت … حيث أنه أمر تصاعدي : فالأشخاص يرغبون في ممارسة العنف يبدؤون بممارسته مع أشياء يستطيعون السيطرة عليها بسهولة ثم يتصاعد العنف … إن الشخص الذي يشعر بالقوة والسيطرة عندما يصيب الآخرين أو يقتلهم يحاول أن يحافظ على هذا الشعور بإرتكاب أعمال أبشع وأعنف .
إن الفعل العنيف يجب أن ينظر له كأمر خطير بغض النظر عن الضحية سواء كانت من البشر أو من الحيوانات .
