العمر والموت “ذهب الأحباء” ..لماذا قدر الله علينا الموت؟!
العمر والموت “ذهب الأحباء” ..لماذا قدر الله علينا الموت؟!
بقلم: د. رحاب أبو العزم
عبر سنوات الحياة يسير بنا قطارها في رحلة محتومة ومقدرة، نتعلم ونعلم، ونقابل ونتعارف ونصادق ونتآخى، نتزوج وننجب، ويمضي بنا القطار كما كتب له الله تعالى، لا نعلم من سنفارق ومتى سنفارقه وكيف سيكون الفراق، نحب وتدق القوب ونشتاق إلى من نحب حينما نفارقه. يأخذنا القطار بعيدًا عن الأحباء إما للسفر بحثًا عن الرزق أو العلم، وفي السفر يعننا الأمل في اللقاء، ويعننا الاستماع إلى صوته ورؤيته عبر مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، أو يأخذهم القطار بعيدًا عنا بالموت فتشخص الأبصار وتجن العقول وتنخلع القلوب؛ هناك تحت الثرى في عالم القبور لا وجود للعمر القصير والعمر الطويل ولا وجود لصغير السن وكبير السن، هناك أرواح غالية انتزعت من قلوبنا وحياتنا لا علاقة لها بالعمر؛ فالمرض أقعد الشباب وأرقدهم على الفراش، والموت صار يأخذ صغير العمر قبل الكبير.
*هل ننسى الأحباء*
تمر السنوات ونظن أننا سننسى، ولا ننكر أن فاجعة المصيبة ربما تقل وأن ذهول العقل من مفاجأة الموت ربما يقل، وإنما هل ننسى الأحباء؟ محال ذلك بالطبع؛ بل تظل أرواحهم تزورنا في المنام والحقيقة. إن مع كل أحداث جديدة حزينة أو مفرحة نأمل وجودهم معنا، ونأمل أناملهم تضم أيادينا، نأمل الانغماس في أحضانهم، نأمل نظرة عيونهم تشجعنا أو تواسينا؛ فمناسبات الحياة الاجتماعية ومواقف الحياة الشخصية أصعب ما في موت الأحباء، وهي أشد وطأة على القلب من لحظة الموت لأن مخالب الفراق تمزق لحظات الفرح رغم إرادتنا. قد نمر بلحظات النجاح فنشتاق إليهم، ونمر بمواقف محزنة فنشتاق إليهم، حينها يصيبنا الغم والهم حينما ندرك بأنهم لن يشاركوننا الفرحة، ونوقن بأنهم لن يساندوننا في أحزاننا، ويزداد يقيننا بالله تعالى وبحكمته في موت الأحباء ويعظم إيماننا بأنه سيأتي إلينا لا محال.
*لماذا قدر الله علينا الموت*
لقد قدر الله علينا الموت ليذكرنا سبحانه بقدرته وعظمته؛ فإن انقضى العمر هيهات أن نشتري ثانية ولو بأموال الأرض وكنوزها؛ فهو القضاء النافذ والحكم الشامل والأمر الحتمي الذي لا مفر منه ولا مهرب. يتبادر في الذهن السؤال عن حكمة الله في النهاية الحتمية بالموت، وهو سبحانه وتعالى قادر على ألا يفنينا. لقد خلقنا الله تعالى على الأرض لنعمرها وتكون مرحلة انتقالنا إلى الآخرة، وبعث لنا الرسل والأنبياء لإرشادنا إلى الطريق المستقيم في هذه المرحلة الانتقالية، ومن انحرف عن الاستقامة وجد الذل في قبره وآخرته (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).إن طبيعة الإنسان أنه يطمع ولا يقنع، مقل في عمله مكثر من أمله، يظل متعلقًا بلذات الحياة ونعيمها؛ فيقدر الله لحبيب له الموت ليتعظ، ويتراجع عن غيه، ويقلل من أطماعه وآماله الدنيوية، ويحسن عمله الحياتي (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). قدر الله علينا الفناء والموت ليذل كل جبار عنيد، ويكون الموت إنذارًا لكل غافل عن حقيقته الفانية، ويكون صاعقة لكل طاغ باغ طمع في القصور فأبدله الله تعالى بالقبر المظلم المفزع، وتجبر وطمع لأفخر الثياب والسيارات فأبدلهم العدل المتعال الحق بصندوق وقطعة قماش. أن الموت حق واقع ماله من دافع، وهو الحق المكروه الذي لو لم نتعظ به فلا أمل فينا. وإن كان الإنسان رغم معرفته لنهايته الفانية يعيش حياته طاغية متجبرًا فما بالنا لو لم تكن نهايته هي الموت الحتميّ؟