المال الصالح للمرء الصالح بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
المال الصالح للمرء الصالح
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
المال الصالح، لقد سمح الاسلام للإنسان بامتلاك ما شاء من الأموال لكن في حدود ولذلك منع إنفاق الأموال على الحرام.
رسول اللهﷺ قال :
نعم المال الصالح للمرء الصالح .
فما هو المال الصالح حتى نحققه لأنفسنا ؟
المال لا يكون صالحا للاستعمال الشرعي إلا بشروط أربعة :
الأول :أن يكتسبه صاحبه من الحلال
قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}
وقال الرسولﷺ :
يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام .
ولا شك أن ذلك قد ظهر في زمننا ، بل إنه السائد الظاهر ، فبسبب المال الحرام اختلطت الأوراق فلا نكاد نميز الحلال من الحرام ، وقَلَّتْ الأرزاق فانتشر الإفلاس وساءت الأخلاق فأصبح الحلال هو ما حلَّ بأيدينا وفسدت الأذواق فلا نتذوق حلاوة الحلال من مرارة الحرام.
الثاني: أن ينفقه صاحبه في الحلال
فكثير من الناس حينما تنصحه بعدم تضييع ماله يواجهك بالعبارة التالية :
هذا مالي وأنا حر فيه .
والإسلام وإن المال الصالح الاسلام سمح للإنسان بامتلاك ما شاء من الأموال، فلا يعطي له الحرية المطلقة في التصرف فيه كيف ما شاء .
ولذلك منع إنفاق الأموال على الحرام، بل حرم إنفاق الأموال حتى على الحلال بشكل مجاوز للحدود المعتبرة شرعا وعرفا، لأنه بذلك يكون تبذيرا وإسرافا .
والله تعالى يقول :
{وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيراً إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ}
ويقول سبحانه:
{وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
الثالث: أن يؤدي منه صاحبُه حقوقه المالية
وقد فصل لنا الإسلام هذه الحقوق المالية تفصيلا تاما، فأمر بأدائها ومنع من تضييعها.
وأول حق في المال هو النفقة على النفس، فلا يجوز للمسلم أن يترك نفسه يموت جوعا ليدخر المال فيكون بخيلا حتى على نفسه.
ثم النفقة على الزوجة والأولاد والوالدين والنبيﷺ يقول :
كفى بالمرء إِثماً أن يُضَيِّع مَن يعول .
ثم الوفاء بالتزامات العقود والمعاملات، وأداء الديون والأمانات .
ويكفي في هذا أن نعلم أن النبيﷺ كان لا يصلى على من مات من أصحابه إذا فاجأه الموت وعليه ديون لم يؤدها فيقولﷺ :
صلوا على صاحبكم وينصرف .
حتى نزل قوله تعالى :
{النَّبِيء أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
فكانﷺ بعد ذلك يسأل عن الميت فإذا كان عليه دَيْن لا يصلى عليه حتى يؤديه عنه.
ثم النفقة على ما في ملكه من البهائم والحيوانات فلا يجوز أن يحبسها بالجوع، وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها على الجوع حتى ماتت كما دخل رجل الجنة لأنه أعتق كلبا من الموت عطشا كما أخبرنا بذلك رسول اللهﷺ .
ثم إذا ما بقي مما سبق بقية دار الحول عليها وجبت فيها زكاة الأموال، كما تجب عليه زكاة الأبدان وهي زكاة الفطر بعد رمضان .
يقول الرسولﷺ فيما روى ابن خزيمة والحاكم وصححه:
إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره .
ويقولﷺ فيما رواه ابن ماجه:
ما منع قوم الزكاة إلا منع القطر ولولا البهائم لم يمطروا.
وفيما روى الطبراني بسند رجاله ثقات:
ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين .
الرابع : أن يؤدى صاحب المال واجبه
أن لا يصدَّ المالُ صاحبَه وألا يمنعَه عن أداء واجباته سواء واجباته نحو نفسه مثل أداء الصلوات في وقتها، أو نحو أولاده من التربية والتعليم، أو نحو والديه من البر والطاعة، أو نحو عائلته من صلة الأرحام، أو واجباته نحو إخواته من المسلمين خصوصا أو من الإنسانية عموما.
هذا هو المال الصالح ؛ فمن هو المرء الصالح ؟
لا يكون الشخص صالحا للاستعمال الأخلاقي للمال إلا بأربع صفات أيضا
الصفة الأولى:
أن يكون صاحب المال صالحا في عقله، بأن لا يكون نقص أو خلل في عقله مثل السفة والعته والصغر ، فلا يجوز دفع الأموال إلا لمن بلغ سن الرشد عاقلا .
يقول الله تعالى :
{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَمًا}
ويقول سبحانه
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
الصفة الثانية
أن يكون صاحب المال صالحا في قلبه، فمن كان الشعور في قلبه مليئا بالكراهية والبغضاء والحسد والبخل والشح والطمع والشره؛ فهو لا شك سوف يوظف ماله في إضرار من يكره ويبغض، وسوف يُحَوِّل حقده وحسده إلى ممارسة لإيذاء محسوده، وسوف لن ينفق المال بسبب بخله إلا على نفسه؛ بل سوف لن ينفقه لشحه وطمعه وشرهه حتى على نفسه، لأنه بماله مع فساد قلبه سيتحول إلى طاغية والله تعالى يقول :
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}
الصفة الثالثة
أن يكون صاحب المال صالحا في عمله، لأن العمل الصالح منه يتولد المال الصالح ، وإلى هذا يشير النبيﷺ إذ قال لسعد بن أبي وقاص:
أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء .
الصفة الرابعة
أن يكون صاحب المال مصلحا لغيره، فصاحب المال كثيرا ما يُسْمَع قولُه، عكس الفقير الذي كثيرا ما يُصْفَع لقوله، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على توظيف الأموال في الدعوة
{فَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ الله الْحُسْنَى}.