أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل

الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل

✍️: أحمد سامى

سنتحدث اليوم عن الشاعر الغنائي الكبير صلاح فايز، الذي أثرى الحياة والمكتبة الموسيقية بحوالي ٧٠٠ أغنية، ولقد بلغ عدد هذه الأغنيات المسجلة فى الإذاعة ٦٠٠ أغنية لكبار مطربى مصر والعالم العربي حتى عام ٢٠٠٢، بعدها قدم حوالي مائة أغنية أخرى.

بداية مشواره الفني والوظيفي:

كانت كلماته التي نشرها قبل أن يتوفاه الله كتب يقول: فى رحلة الحياة طالت أو قصرت نقابل نماذج من البشر… نتخذ من قلة منهم أصدقاء أوفياء، زملاء أعزاء تجمعنا بهم ظروف العمل والنشاط يتركون لنا ذكريات طيبة تداعب خيالنا فى لحظات الصفو الجميلة.

وفى رحلة حياته العامرة بالصداقات والزمالات المثمرة سواء خلال خدمته ضابطا بالقوات المسلحة، والتى امتدت إلى ثلاثين عاما… أعتز بالرجال الذين كانوا قادة وزملاء ومرؤوسين له اعتزازا هائلا.

وفى رحلته مع الشعر الغنائي التي بدأ يخوض غمارها وأجنى ثمارها طوال ما يقرب من نصف قرن… سعد بمعرفة نخبة من نجوم مصر المتلألئة في سماء الفن والطرب، وسأحكي لكم هنا فى هذا التقرير على ”بعض هذه الذكريات”.

كان الابن الوحيد لوالده وامه لم يكن مدللا..

كان لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره عاش مع والده رحمه الله بحي شبرا بعد وفاة المرحومة والدته فى عز صباها وهو فى العاشرة من عمره، وكان الابن الوحيد لهما ورغم ذلك لم يكن مدللا، بل كان والده عنيفا متشددا فى تربيته، ولا ينكر إنه كان يستحق جانبا كبيرا من عقابه المادي والمعنوي والتربوي لأنه كان كما يقول الناس (ولد شقى).

الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل
الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل

في تلك الأيام البعيدة… كان يهوى مشاهدة الأفلام المصرية والأجنبية على وجه العموم والغنائية الاستعراضية على وجه الخصوص، وعندما علم بأن سينما (شبرا بالاس) التي كانت قد افتتحت فى عام ١٩٤٨ تعرض فيلما بعنوان (العقل فى اجازة )، بطولة الفتى الرائع والفنان المبدع ذائع الصيت (محمد فوزى )، صاحب الصوت المميز والألحان الشجية و (الكاريزما) الإلهية، بادر بالتزويغ ومعه (محمد سالم) المخرج التليفزيوني والسينمائي الكبير فيما بعد، (جلال فرج) أحد ضباط الحراسة الخاصة للزعيم الراحل (جمال عبد الناصر) فيما بعد أيضًا… بادروا بالتزويغ من المدرسة (التوفيقية الثانوية)، وما أدراكم ما معنى أن يزوغ تلاميذ من (التوفيقية) أيام الانضباط الحقيقي والتعليم (اللى بصحيح) فى تلك الأيام… سارع الثلاثة شباب وهم يملوهم الحماس بشراء تذاكر صالة أمامي (حسب المصروف المتاح) فى أواخر الأربعينيات لتلاميذ فى الصف الثالث الثانوي (نظام قديم)، وكانوا جالسين مستمتعين بذلك الفيلم الذى أسعدهم كثيرا، ولكنهم كانوا منشغلين عن متابعته بعض الشيء والوقت خوفا من عقابهم اللاحق إذا اكتشف الأمر فى المدرسة أو فى البيت على حد سواء.

كان يشعر بالانبهار من الفنان (محمد فوزى ) وبهرته معه أيضًا فتاة تكبره بسنوات قليلة مصرية السمات والحركات والسكنات خفيفة الظل تتمتع بتلقائية واضحة، وكانت تؤدى دورها لأول مرة على الشاشة الفضية… وكان بداخله إحساس بأنه يوما ما سوف يكون بينه وبين نجم الفيلم علاقة ما فى وقت ما بشكل ما.

الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل
الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل

صدفة جمعت محمد فوزي ب”اليوزباشي” صلاح فايز:

جاء اللقاء الأول له عن طريق الصدفة، وبعد وصول فايز لرتبة “نقيب- يوزباشي “، كان يجلس على سور الكورنيش أمام عمارة بلمونت فى جاردن سيتي الوقت كان نهارا قرب الظهيرة، حيث كانت تعسكر في هذه المنطقة كتيبة الدبابات التي كان فيها، كان فوزي بصحبة عازف الكمان الأول والمتميز بهى الطلعة وزوج الفنانة (صباح) وهو الفنان (أنور منسى )… يقفان أمام العمارة… تفاجأ… وعبر طريق الكورنيش الذى كان يمكن عبوره بلا تردد ولا خوف فالسيارات قليلة وبطيئة… وقف أمامهما ألقى التحية عليهما فكان الفنان محمد فوزى وأنور منسي في طريقهما إلى الاستوديو، وبادر بالحديث إلى فوزى قائلا: أنا أسمى (صلاح فايز)، بكتب أغانى وياريت تسمعنى، وفي لحظة مصيرية احتواه واحتضن جرأته ولهفته ورجائه، وكان رده بمنتهى التلقائية والبساطة والتواضع: أنا رايح أعمل (مونتاج) لأغنية جديدة… (عارف يعنى إيه مونتاج يعنى أوصل الأغنية بشكلها النهائي التي حيسمعها بيه الجمهور… ولما أرجع نتغدى سوا يا أبو صلاح وتسمعنا كاتب إيه!!

ما هذا النجم الساطع والاسم اللامع يخاطب مجهولا لا يعرفه بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب المتواضع والواعد… ما هذا؟!، أين هذا من مدعى النجومية وأنصاف وأرباع الموهوبين الآن؟!.

الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل
الوفاء والجدعنه فى زمن الفن الجميل

طار فرحا وراح يعد الدقائق بلهفة حتى عاد (محمد فوزى ) بعد ثلاث ساعات واصطحبه إلى شقته الكائنة بالدور“ ٢٦”، انتظر للحظات وهو جالس (بالريسبشن) عاد بعدها محمد فوزى مرتديا جلبابا بلديا أو ما أشبه وينتعل فى قدميه (بلغة) شرقاوى وليست مغربى … أين إذا (الروب دى شامبر)؟، وأين ذلك ( الفولار ) التقليدي فى معظم أفلام النجوم وهو واحد منهم؟!… ما الذى كان يريد فوزى أن يفهمه له؟، لقد قصد أن يكسر حاجز الكلفة والرهبة بينه  دون تعمد أو ادعاء… وإنهاء مخاوفه… أحيا كل أمل جميل حلم به كان يصبوا إليه.

تناولوا طعام الغذاء المكون من الملوخية والأرز والسلطة البلدي والبصل المنقوع فى الخل والدجاج المحمر الذى أعطى منه بيده نصف دجاجة استحي أن يأكل أكثر من ربع، فأصر الفنان (محمد فوزى) فأجهز على الربع الآخر بشهية مفتوحة… انتهي من الغذاء واحتسي معه فنجان قهوة (بن تقيل – سكر قليل) وهو النوع المفضل للفنان (محمد فوزى)

وتأتي اللحظة التي انتظرها، ويلقي عليه بعض أشعاره، فيقول له فوزي: سمعنى يا أبو الصلح (بعد أن خاطبه بساعتين أو أكثر بصلاح وأبو صلاح)، كان يرتجف متردداً وهو يرتجل ما يقوله… كان يأمل أن تجد كلماته صدى لديه، وهو الملحن العظيم والمغنى الفريد… وهو الذي استمع إلى مئات من الأغاني التى لحنها وغناها وتلك التي استمع إليها ولم يلحنها من أساسه… لم يقاطعه… كان مبتسما تظهر على وجهه علامات الإعجاب المتزن… طلب منه أن يقوم بإعادة مقطعا مرتين فشجعه على أن يجعله يسمع أربعة أغاني… كان تعليقه… أنت موهبة جديرة بالاهتمام والاحترام… تكتب بسلاسة وسهولة ووضوح… صاحب فكر جديد… سوف تكون نجما فى عالم تأليف الأغاني إذا أردت وثابرت، دوختنى الكلمات ولعبت خمر تعليقة برأسى لبعض اللحظات لكنها لم تلعب بى غرورا ومرحا أبدا.

“إنك تبشر بولادة نجم جديد في كتابة الأغنية بأسلوب جديد”، وطلب منه ترك أشعاره، ليجده بعد عدة أيام، يتصل ببيته، ويقول له “اسمع كدا يا صلاح”، ويغني “بعد بيتنا ببيت كمان”مقترحا أن تغنيها شقيقته الفنانة هدى سلطان، وهو ما رفضة فايز لأن كلمات الأغنية لا تليق أن تقولها امرأة للرجل.

يعتبر فايز أن فوزي صاحب الفضل فى دخوله للوسط الفني، وبعد أن ذاع صيت “بعد بيتنا ببيت كمان”، بات الكل يتساءل من هو هذا الصلاح؟، ومن هو هذا الفايز؟.

فايز دخل مجال الأغنية عبر بوابة فوزي، وذلك عام ١٩٦٠ بعدما قدم له كلمات “بعد بيتنا ببيت كمان”، ثم توالى التعاون بينهما ليثمر عن أغنية لحنها فوزي للفنانة صباح في نفس العام حملت عنوان “بيني وبينك تار”، وفي ١٩٦١ رائعة فوزي التي لم يكن ليخلو فرح منها “يا ولاد بلدنا يوم الخميس”، وكان اللقاء الأخير فى ١٩٦٤ بأغنيتي “اللي حسبته لقيته” و “قد القول”.

صلاح فايز رحل عن عالمنا بعد مروره بوعكة صحية، مساء السبت ٤ أبريل، عن عمر يناهز ٨٦ عاما.

كان هذا الفنان والإنسان محمد فوزى ووفاءه وتشجيعه للمواهب الجديدة وهذا ما كان يمتاز به غالبية عظماء الفن فى ذلك الوقت كانوا يهتمون بالنجاح والإبداع على المستوى الفني والشخصي والإجتماعى  ويا ليت يتعلمون منهم الأجيال الجديدة فى هذا العصر.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.