أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

أثر الحَجِّ فى سلوكيات وأخلاقيات الحاج

أثر الحَجِّ فى سلوكيات وأخلاقيات الحاج 

بقلم الداعية : مهندسة / بهيرة خيرالله

 إذا كانت العبادة في الإسلام هي الغاية الأساسية من خلق الله تعالى للإنسان ، والحكمة من وجوده على وجه الأرض ، كما قال تعالى :

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56]، فليست العبادة الحقيقية التي أمر الله تعالى بها المسلم مجرد أداء للأركان أو تنفيذ للفرائض فحسب ، بل هي مع ما سبق إعلان روحي وقلبي بالإمتثال المطلق لأمر الله  والتسليم والاستسلام لأوامره ونواهيه سبحانه  بالإضافة لما لهذه العبادة إن أُديت كما أمر الله من ثمرات مرجوة ونتائج هي المقصودة منها على وجه الحقيقة ، تظهر آثارها في أخلاق وسلوك ومعاملات المسلم وحياته اليومية  ويلاحظها الناس من حوله ، بدءًا بأهله وأرحامه  وليس انتهاء بجيرانه وأهل بلدته وبلده وكل من يعامله أو يحتك به فحسب ، إنما الغاية العظمى من العبادات هي التقوي وإصلاح القلوب ، ولا يتم لها ذلك إلا بأن تَذِلَّ القلوب وتخضع وتستكين لخالقها ، وتنيب وتعود لربِّها ؛ فإنه لا يجد لذة الطاعة من يعصي الله ورسوله . هذا وإن لم تجد أثرًا للعبادة فى سلوك العابد وأخلاقه ، فذلك لضعف الإخلاص لله تعالي ، وعدم صدق النية ، ولمخالفة المنهج الرباني ، وترك سُنة وهدي الحبيب المصطفى  ، واتباع النفس والهوي .

– وعبادة الحجّ هي عبادة مُركَّبة مالية جسدية روحية , وهي بذلك تعتبر العبادة الجامعة لكل العبادات في الإسلام , ففيها التوحيد بأبهى صوره وأشكاله , وفيها الصلاة ، وفيها بذل المال الطيب الحلال ، وفيها الصيام في حالات خاصة – لمن لم يجد هديا يسوقه للبيت .

– ومن أروع الكلمات المأثورة عن ابن عمر وغيره من التابعين ، قولهم حين رأو ما أحدث الحجيج فى زمانهم : ” الرَّكبُ كثيرٌ ، والحاجُّ قليل ” … فما بالنا فى زماننا هذا !!!

– أين الحاج الذي يرجع من حجه فيُحاسب نفسه ويُراجع أسلوب حياته ، وصلاته بأهله وأولاده وأرحامه ، وسلوكه فى وظيفته وعمله وتجارته ومصادر رزقه وطرق إنفاقه ، فيقيسها بميزان الشرع وأوامر الله ونواهيه !!! ,,, لقد تخفف هذا الحاج من ملابسه ولم يتخفف من ذنوبه … خفف من شعره ولم يخفف من ظلمه لأهله وأقاربه … ذبح نُسُكه ولم يذبح هواه الذي زين له سوء عمله … رمي الجمرات فى مزدلفة ومني ولم يرم شيطانه الذي يجري فى دمه وعروقه … فكيف يعود من هذا حاله من حجه كمن ولدته أمه ، هو هو كيوم سافر إلي حجه ، لم يتغير !!!
– كما قال النبي  : ( من حَجَّ فلم يرفث ولم يفسُق ، رجعَ كما ولدته أمه ) – رواه البخاري ومسلم – وفي رواية ( خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) أي يرجع نقيا من ذنوبه المتعلقة بحق الله ، أما حقوق العباد فلابد أن تستوفي .

– إنَّ من أبرز وأهم دلالات قبول الطاعة والعبادة ظهور أثرها في سلوك الأفراد على أرض الواقع , فهي في الحقيقة المقياس الذي من خلاله يمكن إدراك مدى أثر العبادة في المسلمين , والمؤشر الذي يمكن به معرفة قبول الطاعة والعبادة من عدمه .

– إنَّ من حجَّ تعبدا لله مُخلصا له ابتغاء مرضاته وتقربًا إليه ، تري أثر الحجِّ ظاهرًا عليه فى سلوكياته وأخلاقه ومعاملاته بعد عودته من أداء النُّسُك ، أما من حج رياءً وسمعة أو عادة ليُقال له حاج وقد قيل فهذا لا تري أثر للحج عليه لا قبل ولا بعد ولا أثناء حجِّه ، لا فى تعامله مع ربّه ولا مع الناس .

وقد قال العلماء أن من علامات قبول الحج تبدل حال الحاج إلي الأحسن والأفضل فى أموره كلها والديانة خاصة ، ويكفيه فضلا من الله ومنة فوزه بمرضاة الله وغفرانه ، لذا ينبغي علي الحاج أن يحافظ علي هذا الفضل وعلي هذه المكتسبات وأن تستمر آثارها ظاهرة في خلقه وسلوكه .

– وقد أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي للحاج أن يستمر على الإكثار من ذكر الله ، والرجوع إليه بعد الحج في قوله تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } [البقرة: 200] ؛ فالاستمرار على الذكر والتقوى والطاعة بعد الحج قد يكون سببا لقبول العمل ، فالحسنة تجر الحسنة، والطاعة تثمر طاعة لله تعالى، وهذا دليل ـ إن شاء الله ـ على استمرار آثار الحج وأثرها الطيب علي المسلم في حياته.

– وقوله  : ( العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ، لا يعني أي حجٍّ بل الحج الخالي من الذنوب والمعاصي ، الحجِّ الذي تظهر آثاره الأخلاقية على سلوك الحاج بعد أدائه للفريضة ؛ والتي تعتبر المقياس الحقيقي لمدى أدائه للحج على الشكل الصحيح الذي أراده الله تعالى ..
– وبِرُّ الحج ، كما ورد عن أَبِي هريرة  قال: سُئِلَ النَّبِيُّ  : ” أَيُّ الأَعمال أَفضلُ؟” قالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، قِيلَ: ” ثُمَّ ماذا؟ ” قال : جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قِيلَ: ” ثُمَّ ماذا؟ ” قال : حَجٌّ مَبْرُور ) – صحيح البخاري – والبرُّ في الحج يُطلق على معاني، منها : الإحسان إلى الناس ، ومنها: فعل الطاعات ، ومنها: ألا يُعقِب الحج بمعصية الله ، والبِّرُ حُسن الخُلق .

– وكانت آخر توصيات النبي  فى خطبة الوداع : ( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ، ليبلغ الشاهد الغائب … الحديث ) & وهو كقوله تعالي فى سورة الحج : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه …(30) } وهى ترك المحرمات واجتناب المحظورات ومعصية الله فيما أمر ونهي ؛ وثوابه مُدَّخرٌ له عند الله .

نسأل الله القبول والثبات لمن حج ، ولمن لم يحج فإنه ينال ثواب الحاج والمعتمر بالأعمال الصالحة من شهود الجمعة والجماعة ، والمكوث ذاكرا بعد صلاة الفجر حتي يصلي الضحي ، ومن ذهب إلي المسجد معلما أو متعلما ، فإن فضل الله لا ينقطع عن المسلم ما كان فى طاعة ربه وجواره .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.