أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

أَحَبُّ اْلأَيَّامِ إِلَى اللَّهِ أَيَّامُ الْعَشْرِ

أَحَبُّ اْلأَيَّامِ إِلَى اللَّهِ أَيَّامُ الْعَشْرِ

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ

وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ اْلأَيَّامِ يَعْنِي العَشْرَ الأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِيِ الحِجَّة .

فَقَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم :

يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عِظَمَ قَدْرِ العَمَلِ الصَّالِحِ فِي الأَيَّامِ العَشْرِ الأُولَى مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّة وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا يُضَارِعُهَا أَمْثَالُهَا تَقَعُ فِي غَيْرِهَا بِحَالٍ .

وَالعُلَمَاءُ قَدْ وَقَعُوا فِي مَسْأَلَةِ المُقَارَنَةِ بَيْنَ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ وَالعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِوُقُوعِ لَيْلَةِ القَدْرِ فِيهِنَّ .

وَتَوَسَّطَ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ :

إِنَّ أَيَّامَ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَلَيَالِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ لَيَالِي العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ .

وَمَوْطِنُ المُقَارَنَة :

أَنَّ العَشْرَ الأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فِيهَا يَوْمُ التَّرْوِيَة .

وَهُوَ اليَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ حَيْثُ يَتَرَوَّى الحَجِيجُ قَبْلَ ذِهَابِهِم إِلَى مِنَى .

أَوْ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ :

إِنَّمَا سُمِّيَ بَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ :

لِأَنَّهُم كَانُوا يَأْتُونَ فِيهِ بِالمَاءِ عَلَى ظُهُورِ النُّوقُ .

يُؤْتَى بِالمَاءِ عَلَى ظُهُورِهَا مَحْمُولًا فِي القِرَبِ مِنَ الآبَارِ .

فَكَانُوا يَتَزَوَّدُونَ بِالمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى مِنَى فِي هَذَا اليَوْم .

وَهُوَ اليَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فَسُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ .

وَيَذْهَبُ فِيهِ الحَجِيجُ إِلَى مِنَى يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ قَصْرًا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ ؛ وَيُصَلُّونَ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ قَصْرًا لِلعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ ثُمَّ يَبِيتُونَ بِمِنَى .

ثُمَّ إِذَا مَا طَلَعَت الشَّمْسُ وَقَدْ صَلَّوا الفَجْرَ تَوَجَّهُوا إِلَى عَرَفَاتٍ فِي اليَوْمِ التَّاسِعِ وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ فَضْلُهُ كَبِيرٌ .

حَيْثُ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَهُ غَيْرُهُ :

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ :

صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً بَاقِيَةً .

وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى :

يَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ ؛ كَفَّرَ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ عَنْهُ ذُنُوبَ سَنَةٍ مَضَتْ وَذُنُوبَ سَنَةٍ بَقِيَت .

وَفِي هَذَا اليَوْمِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَتْ ذَلِكَ عَنْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ :

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ فِيهِ اللَّهُ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة .

فَهَذَا هُوَ أَكْبَرُ مَوْسِمٍ يُعْتِقُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ فِيهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مَذْكُورُونَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَرَكُوا دِيَارَهُم وَخَلَّفُوا أَهْلِيهِم وَأَحِبَّائِهِم وَرَاءَهُم وَخَرَجُوا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ مُلَبِّينَ وَتَجَمَّعُوا فِي صَعِيدِ عَرَفَاتٍ يَدْعُونَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُخْلِصِينَ .

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ يَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤلَاءِ .

وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُعْتِقُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنْ خَلْقِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُسْلِمِينَ الْمُنِيبِينَ الْمُخْبِتِينَ مَا لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي أَيَّامِ الْعَامِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَفِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ :

يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَفِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ :

وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ جِدًّا .

وَفِيهَا : يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ .

وَفِيهِ يَنْحَرُ الْحَجِيجُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعُوا مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى مِنًى بَعْدَ أَنْ تُسْفِرَ الشَّمْسُ يَظَلُّونَ فِي الدُّعَاءِ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، حَتَّى إِذَا مَا دَنَا الْإِسْفَارُ جِدًّا دَفَعُوا إِلَى مِنًى لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى وَعِنْدَهَا تَنْقَطِعُ التَّلْبِيَةُ .

وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ أَعْمَالٌ لِلْحَجِّ هِيَ مُعْظَمُ مَا فِي الْحَجِّ مِنْ أَعْمَالٍ .

فَالَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى الْأَيَّامِ قَالُوا :

إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَفِيهَا لَيْلَةٌ لَا تُقَاوَمُ فِي فَضْلِهَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِمَنْ قَامَهَا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا مُتَبَتِّلاً مُنِيبًا خَاشِعًا .

وَقَدْ نَصَّ عَلَى فَضْلِهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ :

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}

[القدر:3]

فَلِذَلِكَ وَقَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْعَشْرَيْنِ :

الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ .

وَالَّذِي فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-د إِطْلَاقٌ لَا تَقْيِيدَ فِيهِ ؛ فَدَخَلَتِ اللَّيَالِي فِي الْأَيَّامِ تَبَعًا .

فَهَذَا مَوْسِمٌ عَظِيمٌ جِدًّا ، بَلْ هُوَ أَكْبَرُ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ فِي العَامِ وَهُوَ العَشْرُ الأَوَائِلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّة .

وَسَعِيدُ بنُ جُبَيْرِ الَّذِي رَوَى الحَدِيثَ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ ؛ اجْتَهَدَ فِي العِبَادَةِ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ .

وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ وَتَلَقَّاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالصِّيَامُ وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَتِلَاوَةُ القُرآنِ وَالعَطْفُ عَلَى المَسَاكِينِ وَالأَيْتَامِ وَصِلَةُ الأَرْحَامِ وَمُذَاكَرَةُ العِلْم وَبَثُّهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ .

فَكُلُّ مَا هُوَّ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَشْرُوعٌ إِذَا أَتَى بِهِ العَبْدُ وَقَدْ تَوَفَّرَ فِيهِ شَرْطَا قَبُولِ العَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا مَا وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ أَحَبُّ العَمَلِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَالعَمَلُ لَا يُتَقَبَّلُ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا إِلَّا إِذَا كَانَ للَّهِ خَالِصًا ؛ فَلَمْ تَخَالِطُهُ سُمْعَةٌ وَلَا شَهْوَةٌ .

فَإِذَا جَاءَ العَمَلُ خَالِصًا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ لَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ فِيهِ شَيْء وَتَوَفَّرَ فِيهِ الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ مُتَابَعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ .

فَهَذِهِ الفُرْصَةُ اللَّائِحَةُ إِذَا مَرَّت قَدْ لَا تَعُودُ لِأَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عُمُرَهُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ لَهُ .

فَإِذَا آتَى اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ مُسْلِمًا هَذِهِ الفُرْصَة فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اقْتِنَاصِهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَثِيثَ السَّعْيِ لِتَحْصِيلِهَا وَعَدَمِ تَفْوِيتِهَا .

فعَلَيْهِ أَنْ يُقِبَلَ عَلَى اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ بِالتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ ، وَأَنْ يَنْخَلِعَ وَيَنْسَلِخَ مِنَ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، وَأَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إِلَى أَرْبَابِهَا وَأَنْ يَسْتَرْضِيَ الخُصُوم وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَكُونَ مُخْلِصًا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ مُتَّبِعًا لِنَبِيِّهِ الكَرِيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.