الروح الأخلاقية العالية، هي أصل الرياضة وجوهرها؛ أن تتقبل الهزيمة بنفس الروح التي تتقبل بها على الفوز؛ فالغاية هي المتعة وبناء الإنسان جسداً وروحاً وشغل فراغه فيما يفيد..
أما أن تتحول كرة القدم تحديداً إلى ساحة للتعصب والتراشق والتباغض وسوء الأخلاق ..فهذا ما لا يرضاه عقل ولا دين ولا يتسق مع الروح الرياضية.
لا أحد ينكر أن الرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص صارت صناعة ثقيلة، صانعة للبهجة وجاذبة لملايين البشر حول العالم..لكنها في الدول المتقدمة مغايرة لما يجري عندنا تمامًا؛ فهناك المتعة والاحتراف وحسن الأخلاق في التشجيع أما ما يحدث عندنا فهو خليط من الفوضى والعشوائية والتعصب الأعمى وسوء الأخلاق التي يتحلى بها البعض وتظهر أمام الشاشات لتعطي انطباعاً مشوشاً عن طبيعة الشخصية المصرية. وفي تراثنا الشعبي ما يقول إن الرياضة أخلاق؛ فأين ذهبت أخلاقنا..ولماذا تنضح ملاعبنا بالتعصب وضيق الصدور بالنقد.!؟
لقد غابت المتعة عن ملاعبنا بغياب الروح الرياضية..والنتيجة هو الفشل في تثقيف الجمهور وجهله بأصول الرياضة ومعانيها السامية التي تجمع الشعوب وتبني جسور التعارف والمودة وتجمع ما فرقته السياسة وترسم البهجة على الوجوه وتخفف عن الإنسان معاناته اليومية مع الحياة.
لقد آن الأوان أن يدرك الجمهور والإداريون واللاعبون والمدربون معنى التنافس الرياضي الشريف واللعب والتشجيع النظيف ليس في كرة القدم وحدها بل في مختلف الالعاب والمجالات ..يجب أن يكون هؤلاء قدوة لأبنائنا في تقبل الخسارة بنفس الروح التي يقبلون بها الفوز..حتى تصبح هذه هي ثقافتنا وطباعنا. قد يقول قائل إن أوروبا نفسها فيها تعصب للأندية..وهذا صحيح لكنها لا تعدو أن تكون حالات فردية..كما أنها لا تفسد للود قضية ولا للملاعب فرحة..وفي المقابل لا تتجاوز الحدود ولا توقع الضرر بأحد بل تجد عقاباً شديداً وفورياً تفرضه قوانين توقّع على النادي الذي يشجعه هؤلاء المتعصبون غرامات باهظة حتى يبقى للرياضة وجهها المتسامح والمضيء وتأثيرها الهائل على الجمهور الرياضي. الروح الرياضية سمة إنسانية تضفي على الرياضة عامة وكرة القدم خاصة متعة وبهجة وجمالاً ومن دونها تفقد الكرة حظوتها وجاذبيتها لتبقى تلك الروح هي الوجه المشرق المطلوب تكريسه بين الأندية واللاعبين قبل أن نطالب به الجمهور؛ فهي العنوان الذي ينبغي أن يسود الجميع ..ولتكن تلك هي البداية لنبذ التعصب واجتثاثه من حياتنا كلها وليس من ملاعبنا فقط؛ فالتعصب الأعمى لنادٍ لا يقل خطراً عن التعصب لفكرة أو مذهب أو طائفة..فالنتيجة واحدة وهي إلغاء العقل ورفض الآخر وإقصاء الجميع وتلك ولا شك توطئة لانقسام حاد واستقطاب لا تحمد عقباه.
أما الأهم في محاربة التعصب؛ فهو الإعلام النزيه المستنير الخالي من التعصب والداعي للتحلي بالأخلاق الرفيعة؛ إعلام لا يغضب ولا ينحاز؛ فلا يعلق المذيع أو الناقد أو المحلل وفقاً لهوى قلبه ولا يبدي انحيازًا لأحد الفريقين المتنافسين ولا يناصر فريقاً على حساب الآخر حتى لا تبقى الرياضة أسيرة للأهواء والتحزبات والانفعالات والتعصب المقيت. التنافس الرياضي مطلوب والتشجيع الحماسي أيضاً مطلوب ووجود مشجعين محبين لأنديتهم غيورين عليها لا غبار عليه ما دام تحت مظلة الروح الرياضية؛ فالأخلاق الحسنة أهم مقومات أي عمل ناجح في أي مجال، وفي الرياضة على وجه أخص؛ ذلك أن الرياضة تتضاعف أهميتها لارتباطها أكثر بشريحة الشباب وهم يشكلون نحو ثلثي السكان في مصر، وعلى أكتافهم ينهض الحاضر ويبنى المستقبل.
فإن أولى مسئوليات الإعلام نشر الوعي الرياضي؛ فالأخلاق أساس النجاح في أي عمل؛ ومن ثم فلا مناص من تطهير الإعلام الرياضي من الشريحة التي ينافي عملها الروح الرياضية؛ فإعلام بلا أخلاق يهدم ورياضة بلا أخلاق لا تستحق أن تُسمى رياضة، فالرياضة تعزز الأخلاق الرفيعة ولها فوائد كثيرة إذا ما استخدمت استخداماً سليماً يسير وفق قوانين رياضية تنبذ الصخب والتعصب في التشجيع الجماهيري.
علينا أن ننهض من جديد ونستوعب المعنى الحقيقي للخسارة والفشل والإخفاق، فليست خسارة مباراة كرة ولا حتى بطولة نهاية العالم
ليتنا نتبنى مبادرة اللعب النظيف والتشجيع النظيف والبعد عن التعصب والالتزام بالروح الرياضية وأن يسلط الإعلام ضوءه على اللاعبين ذوي الروح الرياضية والأخلاق العالية إذا أردنا مجتمعاً متسامحا يقبل الآخر ويعلى الأخلاق ويتقبل الهزيمة أو الخسارة كما يحب المكسب والفوز..هنا فقط يكسب المجتمع ويستعيد روحه وتماسكه وتسامحه وتعود الرياضة ولاسيما كرة القدم صانعة للسعادة والمتعة والوحدة وينتهي التعصب والفتنة .