أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

الضرورات تبيح المحظورات بقلم: محمـد الدكروري

الضرورات تبيح المحظورات بقلم: محمـد الدكروري

إن الورع دائما يسلك سبيل الاحتياط، وهو الأحوط، فخذ الأحوط تكن فى حرز حريز، وقد تحدثنا فى قواعد الحلال والحرام عن اتقاء الشبهات، وأن الحرام حرام على الجميع، وأن التحايل على الحرام حرام، وأن النية الحسنة لا تجعل الحرام حلالا، وأن فى الحلال ما يغنى عن الحرام، وما أدى إلى حرام فهو حرام، وهذه كلها قواعد أساسية فى الحلال والحرام، وإن نسبة الأشياء المحرمة إلى الأشياء المحللة نسبة ضئيلة جدا.

ومع ذلك رحمة بالخلق، ومراعاة لضعف الإنسان أحيانا، الله عز وجل في أربع مواضع في كتاب الله قال تعالى فى سورة البقرة ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم” وخصوصا في الأطعمة، فما معنى غير باغ؟ فأى إنسان أحيانا يشرف على الموت له أن يأكل لحم الخنزير، هو لا يبغى أن يأكله، لا يتمنى أن يأكله، لا يريد أن يأكله، ولكن أكله مضطرا، فإذا أكله مضطرا هل يأكل منه حتى يشبع؟

لا، يأكل منه القدر الذى يبقيه حيا، لا يتجاوز الحد الذى هو مضطر إليه، وهناك أشخاص إن أخذ ربا يتبحبح فيها، لذلك قالوا الضرورة تقدر بقدرها، ولو إنسان مضطر أن يأكل لحم خنزير، كم لقمة يأكل حتى يزول عنه خطر الموت؟ ليس حتى يشبع، وهنا معنى ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم” فلا يبغى أن يعصى الله، ولا يبغي التمتع بهذا الحرام، ولا يريد أن يتجاوز الحد الذى ينجيه من الهلاك.

وهذا معنى قوله تعالى”  فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه” فإن الضرورة التي تبيح المحظور هي الضرورة التي تقدر بقدرها دون أن تزيد عليها، وتوجد قاعدة أصولية تقول إذا بلغ على يقينك أنك وأهلك ومن تعول سيهلكون من الجوع أو العرى أو التشرد عندئذ الضرورات تبيح المحظورات، لكن ما رأيت قاعدة توسع بها الناس وشدوها إلى مصالحهم مثل هذه القاعدة، فيكون ليس مضطرا إلى هذا الشيء.

ويتوسع به توسعة، فالرفاهية عنده ضرورة، والسفر ضرورة، وفرش البيت ضرورة، ويقول أنا مضطر، ولكن اسأل من المضطر؟ فأريد بشكل قاطع أن تعلموا من هو المضطر، فهو من غلب على يقينه أنه هالك هو وأهله من الجوع أو العرى أو التشرد، فهذا هو المضطر الذي تباح له المحظورات، وإن العلماء صنفوا الحاجات إلى ثلاثة أقسام وهى ضرورات، وحاجات، وتحسينات.

الضرورات تبيح المحظورات

وإن التحسينات ليست ضرورة، والحاجة ليست ضرورة، فالضرورة ما توقفت عليها حياتك وسلامتك، فإذا غلب على يقينه أنه ميت، أو سيفقد أحد أعضائه هو ومن معه إما من الجوع أو العرى أو التشرد فهذه هي الضرورة التي تبيح المحظور، لذلك قالوا الضرورة تقدر بقدرها دون أن تزيد عليها، فمثلا لو أن امرأة أصيبت بمرض لا يستطيع معالجته إلا طبيب رجل، لا ينبغى أن يبدو من أعضاء جسمها إلا القدر الذى لابد منه لمعالجتها، وهذا الكلام يقال للطبيب.

ويقال للمريضة، فالضرورة تقدر بقدرها فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا يبغى المعصية، ولا يتجاوزها عن القدر الذي يكفيه لا إثم عليه، وأيضا فإن الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة، ثم في الملبس والزينة، ثم فى البيت، ثم في الكسب والاحتراف، وأيضا الحلال والحرام فى موضوعات أخرى نحن في أمس الحاجة إليها، فالحلال والحرام فى بيتك، وفى عملك، وأولادك، وزوجتك، وبناتك، وكسب المال، وإنفاق المال، ولهوك، وسفرك، وإقامتك.

فيجب أن تعرف حدود الله عز وجل، وقد بينت لكم أن الأصل فى الأشياء الإباحة، وأن التحليل والتحريم من حق الله تعالى وحده، وأن تحريم الحلال أو تحليل الحرام يعادل الشرك بالله عز وجل، وأن التحريم متعلق بالخبائث، والله عز وجل يحرم عليهم الخبائث، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث” أى أن هناك علاقة علمية بين المعصية ونتائجها.

وبين الطاعة ونتائجها، وليس التحليل رمزيا، ولا التحريم رمزيا، إنما العلاقة بين التحريم ونتائجه وبين التحليل ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، وبينت أيضا أن في الحلال ما يغني عن الحرام، وأنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقا، وإن كل شهوة أودعها الله تعالى في الإنسان لها قناة نظيفة يمكن أن تسلكها وأنت مرتاح، وأنت مقبل، وأنت سعيد.

وبينت أيضا أنه ما أدى إلى حرام فهو حرام، فالشيء الذي يؤدى إلى حرام هو حرام أيضا، وبينت أن التحايل على الحرام حرام، وأن النية الحسنة لا تبرر الحرام، وأن اتقاء الشبهات من الورع، وأنه لا محاباة ولا تفرقة في الحرمات، فالمحرم على الجميع، وليس هناك استثناءات، وأن الضرورات تبيح المحظورات، ومعنى الضرورات.

أن تكون أنت وأهلك على وشك الموت جوعا، أو عريا، أو تشردا، فهذه هي الضرورة التي تبيح المحظور، لا كما يفهمها الناس متوسعين.

فكلما شعر بحاجة إلى شيء يقول أن مضطر، ومن خلال هذه الضرورة المتوهمة يبيح لنفسه المحظورات، فإن الحلال والحرام في الحياة الشخصية للمسلم، وهو أن يكون كسبك حلالا، فإن أول شيء يختص في حياتك الشخصية ما تأكله.

فعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوه” رواه الطبرانى، أى إطعم نفسك حلالا أو اكسب رزقا حلالا، وإن الحديث يشير إلى المعنيين معا، كل الشيء الذي أباحه الله لك، أو اكسب رزقا حلالا عن طريق الصدق، والأمانة، وعدم الغش، وعدم التدليس، وعدم الاحتكار، وعدم الاستغلال، وعدم الإيهام.

فإن الحديث يتجه إلى معنيين أن يكون الكسب حلالا وفق منهج الله، وتطبيق شرع الله، والتأدب بآداب الإسلام، أو أن يكون الطعام الذي تأكله حلالا، بمعنى مما أباحه الله لك.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.