المذاهب الفقهية في إخراج القيمة في زكاة الفطر
المذاهب الفقهية في إخراج القيمة في زكاة الفطر
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
أدلة المذاهب الفقهية في إخراج القيمة في زكاة الفطر :
أولاً : استدل المانعون من دفع القيمة في زكاة الفطر بما يأتي :
1- الأحاديث الصحيحة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر … الخ ، حيث لم يذكر القيمة وأنها لو جازت لبيّنها .
وبالتالي فإنه من يدفع القيمة لم ينفذ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به .
2- إن الزكاة عبادة وقربة إلى الله ، فالأصل والواجب فيها الاتباع دون الابتداع ، وبعبارة فقهية فهي تعبدية لا تخضع للقياس والاجتهاد.
تلك هي أهم الأدلة التي استدل بها المانعون قديماً وحديثاً ، ولكن يمكن أن يناقش ذلك بما يأتي:
أ- أن ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض صاعاً من تمر…الخ .
هو تعبير الصحابي عما فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم وليس قوله صلى الله عليه وسلم بصيغة تدل على منع ما سواه ، حيث لا يوجد نص صحيح صريح ثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على حصر هذه الفريضة في صاع مما ذكر في جميع الأحاديث الواردة في هذا الشأن .
وبالتالي فلا تدل على منع ما سواه .
وأكبر دليل على ذلك هو أن جمهور المانعين يجيزون دفع صاع من القمح زكاة فطر ، وهو لم يرد في الأحاديث الصحيحة الصريحة بالاتفاق ، كما أن جمهورهم أيضاً يجيزون دفع صاع ما لأرز صدقة فطر ، وهو لم يرد في أي حديث لا صحيح ولا صريح .
فإذا كان القياس هنا صحيحاً ومقبولاً فما الفرق بينه وبين الاجتهاد بجواز دفع القيمة بل إن دفع قيمة التمر ، أو الشعير الوارد في النص أقرب من إلحاق أنواع أخرى من حبوب لم ترد في نصوص الشريعة .
ب- إن الزكاة بصورة عامة ، وزكاة الفطر بصورة خاصة ليست من الشعائر التعبدية المحضة ، وإنما من العبادات التي تدخل في المعقولة المعاني التي يمكن الاجتهاد فيها .
وقد رأينا أن جمهور المانعين اجتهدوا وقاسوا فيها بالنسبة لدفع القمح ، أو الأرز ، أو نحوهما ما دام يمثل غالب قوت البلد.
وبذلك قلب دليلهم عليهم فأصبح حجة عليهم ، ولم يلتزموا بكونها تعبدية محضة لا قياس فيها ، فإذا كان هذا القياس المجتهد فيه جائزا فلماذا إذاً لا يكون الاجتهاد بدفع القيمة جائزاً؟
ج- ثم إن ما ذكر في حديث ابن عمر من التمر والشعير والأقط كان من أنواع طعام ذلك العصر بدليل أنه لما دخلت أنواع أخرى اعتمدت ، كما قال أبو سعيد الخدري في شأن القمح.
ثانياً :
واستدل المجيزون لدفع قيمة صدقة الفطر بما يأتي :
1- الأصل في صدقة الفطر ، ومقاصد الشريعة منها إغناء الفقراء في يوم العيد ، وإدخال السرور والفرح في قلوبهم من خلال توفير احتياجاتهم الأساسية .
وهذا بلا شك إنما يتحقق في عصرنا الحاضر في الغالب بدفع النقود إليهم ليشتروا بها حاجياتهم الأساسية التي لا تنحصر في التمر ، والقمح ، والشعير ، والأرز ونحوها .
وهذا ما فهمه الصحابة الكرام حيث لم يكتفوا بما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره من التمر والشعير والأقط بل جعلوها قمحاً ، بل إن معظمهم جعل نصف صاع منه يعدل صاعاً من تمر أو شعير كما سبق .
2- إن من أقوى الأدلة :
ما رآه معاوية رضي الله عنه وعرضه على الصحابة الكرام في حجته أو عمرته ، من أن نصف صاع من سمراء الشام (القمح) يعدل صاعاً من التمر ، ووافقه الصحابة كما قال الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري .
فهذا الاجتماع لجمهورهم دليل قوي على جواز دفع القيمة لأن معادلة نصف صاع من القمح بصاع لا تتحقق إلاّ من خلال القيمة ، وهذه المعادلة مروية عن عمر رضي الله عنه .
3- ثبت في نصوص شرعية صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءَهُ الراشدين قبلوا القيمة في زكاة بعض الأعيان في حالات متعددة ، مثل قبول الدراهم أو الدنانير مكان الفارق في العمر المطلوب في زكاة الابل ، حيث قدر الجبران بشاتين أو عشرين درهماً .
4- كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن لجمع الصدقات المفروضة قال لهم :
ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار .
رواه البخاري معلقاً في باب العرض في الزكاة .
وقال طاوس :
قال معاذ لأهل اليمن :
ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم….
رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/113) والمحلى (6/25) .
قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (3/13) إسناده صحيح إلى طاوس ، لكنه لم يسمع من معاذ فهو منقطع ، ورواه ابن أبي شيبة في صمفنه (3/174) .
ولهم أدلة أخرى لا يسع المجال لذكرها .
ثالثاً :
وأما أدلة المذهب الثالث ، فهي نفس أدلة المذهب الثاني المجيزين مع التقييد بالمصلحة الراجحة ، وبما هو أنفع للفقراء ، وبالتالي فهو راجع إليه مع هذا القيد المذكور ، وهو الراجح.