النَّوافِذ الْمَثْقُوبَة
بِقَلَم: وِئَام أَحْمَد إمَام
خِلَال الْفَتْرَة الْمَاضِيَة استَوقَفتنِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَشَاهِدِ وَالْأَحْدَاث الطَّيِّب مِنْهَا والمُفْجِع وتَأكَدتُ أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَسَلِّمُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَالْكُلّ يَدَّعِي وِصَالهُ بِالدَّيْن وَالدِّين مِنْهُ بَرَآءُ،
أَجْل فَأغَلَبُ مَن ادَعَىٰ الْفَضِيلَة يَفتَقِدهَا، فَنَحْنُ
نَعْذُر الحَمقَىٰ وَلَكِنْ لَا نَعْذُر الْعُقَلَاء، فَكُن عَاقِلًا وارتَقِي وَلِتَعَلَّم أَنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي تُؤذِيكَ فِي الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي سَتَرفَعكَ فِي الْآخِرَةِ وَلَكِنْ إنْ صَبَرْت.
إذَا اِسْتَوْطَنْت السِّهَام قَلْبِكَ فَصَاحِبْ مَنْ شِئْت وَلَكِن إيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ المِعوَلَ مِنْ يَدِكَ فَلَا تَكُنْ بسِيطًا فبَسَاطَتكَ رُبَّمَا تَكُونُ سِهَام لِقَتْلِكَ فَكُن لمَاحًا وَعِش يَقِظًا نَائِمًا بَيْنَ النَّاسِ
(لا أَسْمَع، لَا أَرَى ولَا أتكَلم) بَلْ كُنْ ذِئبًا شَرِسًا حَتىٰ لَو اهَانكَ أَسَد أَوْ نَمِر… وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مُهرِجًا فَتَكُن أُضْحُوكَة الْعَالَم.
وَقِيل: “لو كَانَتْ الْأَرْزَاقُ بِالْكَلَامِ لَكَانَ أغَنىٰ النَّاسِ الثَّرْثَارُون، فَنَارِ عَدُوّكَ فِي صَدْرِهِ فَلَا تَنَقُّلهَا لصَدركَ
وإياك أَنْ تَكْتَرِث بِحَدِيثِ أَنْصَافِ الْعُقُولِ بل اجْعَلْهُم يُبحِرُونَ بِالْكَلَامِ وَلَكِن كُنْ أَنْتَ الشِّرَاع مَتىٰ مَا أَرَدْت تَوَقَّفَ وَلَوْ كُنْتَ فِي مُنْتَصَفِ الْمُحِيط.
عِزّ نَفْسكَ تَجِدْهَا وَلَا تُبَالِغ بحُبِكَ لِأَحَدٍ فَإِنْ صَفْعَةَ الْخِذْلَان تَأْتِي بِلَا مُقَدِّمَات فَلَا تُرَاهِنّ عَلَىٰ حُبِّ أَحَدٍ فالقُلُوب مُتَقَلَّبَه فَحَافِظْ عَلَىٰ مِسَاحَةِ الْأَمَانِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ لِنَفْسِكَ لَا لِأَجْلِهِم،
فأحيَانًا ” تَشْتَاقُ لِمَنْ لَا يَشْتَاقُ لَك” وَتُعْطِي لِمَنْ لَا يَسْتَحِق وَتُخْلِص لِمَنْ لَا يُخْلِصُ وتُضَحِي لِمَنْ لَا يُقْدِر وَلَكِنَّكَ ستَبْقَىٰ كَبِيرًا وَهُم سَيَصغُرُون.
فَكَلَام النَّاس كَالغُبَارِ لَا تُثِره حَتىٰ تَرَاهُم لِأَنَّك إنْ أثَرْته سَيصعَدُ لرَأسِكَ وَتَفَقِدُ الرُّؤْيَا بل كُن علىٰ يَقِين إذَا استَوىٰ عِنْدَكَ الْمَادِح وَالذَّام فَأَنْتَ قَدْ وَصَلَتْ لِمَرْحَلةِ النُّضْجِ الفِكْرِيّ وَالنَّفْسِيّ وَالْعَقْلِيّ والرُوحِي، تَأَلَّق وَارْتَفِع وَاجْعَل مِنْ السَّحَابِ اسمًا لَكَ فَلَن يَصِلُ إلَيْكَ إلَّا مِنْ كَانَ مِثْلكَ.
وَتَذَكَّر أَن آرَاء الآخَرِينَ عَنْكَ هِي وَجْهَة نَظَرهُم فَلَا تَجْعَلهَا الْوَاقِعِ وَلَا تَسْمَح لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَع جَنَاحَيكَ بَل حَلِق كَمَا تُرِيد وَكَيْفَمَا شِئْت وَلَا تُبَالِي وَلَا تَنتَبه لِحَدِيثِ الخُبثَاءِ والدُخَلاءِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ ” أن الْأَرْنَب يَأْكُل الذئب”!
فَانْتَبَه وَلِتَعَلُّم أَنَّ الْمَاضِي لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نمسَحهُ لِأَنَّه سُجَّل عَلَيْنَا وَلَكِن نَتَعَلَّم مِنْه فلتطْوِي صَفْحَة الْمَاضِي وَلَكِنْ ” لَا تنسىٰ الدَّرْس”.
إنْ تَكَلَّمْتَ عَنْ قَنَاعَةٍ وَإِنْ سَمِعَتَ فَبإرَادةٍ وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنّ عَدُوِّكَ سَيُعَامِلكَ بِشَرَفٍ بَلْ بِكُلِّ افْتِرَاءٍ فَلا تُبَالِي وَاجْعَل خُلْقِكَ حِجَّةٌ لَكَ لَا عَلَيْكَ، فَحِجَّة الْخُلْق أَقْوَىٰ مِنْ الْكَلَامِ فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَىٰ مَا أَرَدْتَ الْحَدِيث وَمَتَىٰ مَا أَرَدْتَ التَّوَاصُل وَمَتَىٰ مَا أَرَدْتَ الْبُعْد وَمَتَىٰ مَا أَرَدْتَ الصَّمْت أَنْتَ حُرٌّ وَكُلُّ النَّاسِ أَحْرَارٌ.
وَكُنْ عَلَىٰ يَقِينٍ أَنَّهُ لَا يُوجَد طَرِيقٍ مَعْبَدٍ للنجَاحِ والرِيَادةِ وَالسِّيَادَةِ وَأَلْقِمَةِ فَكُل الطُّرقِ وَعِرَة
وَلَكِنّنَا نَفشَل إذَا تَوَقَّفْنَا فِي مَكَانِنَا فَكُلُّ إنْسَانٍ نَجَح وَارْتَقَىٰ تَعَثَّر فِي هَذِهِ الدُّنْيَا رُبَّمَا لمَرَاتٍ وَمَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ وَمَرَّاتْ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عِنْدَمَا تَتْعَب وَلَكِن تَوَقَّف عِنْدَمَا تَنْتَهِي، فَعَلَىٰ قَدْرِ حِلْمُكَ تَتَّسِع الْأَرْض.
يُعْجِبُنِي فَنّ الإرْتِجَالِ وَالْخُرُوجِ عَنْ النَّصِّ لِأَنَّه
يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْمَلَاذ لِمَنْ لَا خَلِيل لَهُ وَلَكِنْ بِحِكْمِة لِأَنه مَع الْجَاهِل كَالسَّيْر فِي الوَحَلِ .
عَلَّمْتَنِي الْحَيَاة أَنَّ الْوِحْدَة خَيْرٌ مِنْ اِسْتِجْدَاءِ الِاهْتِمَامِ فمَن طَال غِيَابِهِ أَصْبَح غَرِيبًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ غِيابِهِ وَلَا تَنْتَظِرُ مِنْهُ الْعَطَاء وَمَن يُفَكِّرُ فِي الاِبْتِعَاد فسَاعِدَهُ وبقُوةٍ وَدُونَ تَرَدَّدٍ وَلَوْ ” تَقَطَّعَ قَلبكَ حُبًا لَه” فالكَرَامَة خَط أَحْمَر يَنْتَهِي عِنْدَهَا أَلْفُ صَدِيقٍ وَحَبِيب.
وَأَخِيرًا…
عَاتِب مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ ” فِي اَمانِ اللَّه” فَلَعَلّ الْخَيْر يَكْمُن فِي الشَّرِّ فَكُونُوا لِلْعَشَرَةِ أَوْفِياء.
التعليقات مغلقة.