جرعة أنوثة| ( فنجان قهوة وكتاب)
بقلم| بسنت يوسف.
معظمنا لا يكتمل صباحه بدون فنجان من القهوة ورائحتها القوية، تختلف بها أذواقنا وتبعا لها مزاجنا، فمنا من يشربها مع حليب والبعض يفضلها محلاة والآخر يفضلها إسبرسو.
تعددت أنواع القهوة بين العربية والتركية والأمريكية حيث لكل نوع من هذه الأنواع مناسبة خاصة به عند بعض الشعوب، فتقدم القهوه عند البعض أثناء رواية الحكايات والقصص، فتخلد الذكريات بسببها.
طرق إعداد القهوة لا تنتهي، حيث أن صناعة القهوة تعتبر من أكثر الصناعات إنتاجا و نجاحا على مستوى العالم إبتداء من مصانع صنع القهوة وتعليبها وبيعها، وصولا إلى المقاهي المنتشرة في جميع أنحاء العالم و التي يتنافس أصحابها على جلب الزبائن.
تعتبر القهوة من المشروبات المفضلة عند الكثير لحد الإدمان دون معرفة الفوائد والأضرار، ارتبطت ثقافة الكتابة عموما وقراءة الروايات خصوصا بشرب القهوة في الفترة الأخيرة ولا أدري لماذا!
أهذي ثقافة أم اعتياد ام اصبحت عاده لجذب الانتباه؟
فكلما مررت علي كافيه وجدته مكدس بالإناث التي تشرب الكافيين أثناء جلوسها مع الاصدقاء او اثناء سماعها الموسيقى أو التصفح في إحدى المجالات او القراءه في الكتب.
ظاهرة انتشرت بشكل ملحوظ بين التجمعات النسائية، فدائما ما كنت اسمع في مجال العمل، أن هناك أناس غير قادرة على بدء يومها بدون فنجان قهوة أو اثنين على الأقل لدعم التركيز وتنشيط التفكير لديهم.
إذن ما سر هذا المشروب الذي نبدأ به صباحنا ولا يخلو يومنا منه و الذي تصنع منه تجارة بملايين الدولارات؟
الأصل اللغوي:
أول مرجع لكلمة قهوة في اللغة الإنجليزية عام ١٥٩٨، فكلمة (coffee) تنحدر من الكلمة الإيطالية (caffè) في كلا من اللغتين الإنجليزية و الأوربية, و بالمقابل كلمة كافي (caffè) مشتقة من كلمة كاف (kahve) وهي كلمة تركية ذو أصل عثماني, المشتقة أيضاً من الكلمة العربية قهوة (qahwah).
و أكد مؤلفِ المعاجم العربية أن كلمة قهوة (qahwah) تعود أصلاً لنوع من أنواع الخمور, وأما أصلها فيعود للفعل قها (qahā) الذي يعني فقدان الشهية, ولذلك كان يعتقد أن هذا المشروب يقلل من جوع الفرد.
وهناك أيضاً أصول لغوية أخرى مقترحة, منها الكلمة العربية قوة (quwwa) و التي تعني القوة أو حسب منطقة كافا (Kaffa) في أثيوبيا, بالنسبة للأصل اللغوي الأخير يقول البعض أن العرب أسموا القهوة نسبتاً إلى منطقة كافا, أما الأخرون ذو “علم ليس ببليغ” قالوا أن منطقة كافا سميت نسبةً للمشروب.
قال عنها التاريخ:
أول الأدلة الموثوقة على شرب القهوة أو معرفة شجرة القهوة تظهر في منتصف القرن الخامس عشر، في الأديرة الصوفية في اليمن.
صدرت حبوب البن أولا من كراتشي إلى اليمن، جلب التجار اليمنيون القهوة إلى وطنهم و بدأوا في زراعة البن، والصوفية في اليمن استخدمت هذا المشروب كمساعد على التركيز ونوع من الروحانية عندما يهتفون باسم الله، تتبعت ترجمة مخطوطات الجزري انتشار القهوة من شبه الجزيرة العربية اليمن الحالي شمالا إلى مكة والمدينة، ثم إلى المدن الكبرى في القاهرة ودمشق وبغداد والقسطنطينية.
وبحلول عام 1414، كانت القهوة معروفة في مكة المكرمة، وفي أوائل القرن الثامن عشر كانت تنتشر في سلطنة مصر وشمال أفريقيا المملوكية من ميناء موكا اليمني.
نشأ عدد لا يحصى من المقاهي في مصر حول الجامعة الدينية في الأزهر. هذه المقاهي فتحت أيضا في سوريا، وخاصة في مدينة حلب العالمية، ثم في اسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية.
في عام 1511، كان يحظر شربها بسبب تأثيره المحفز من قبل الأئمة الأرثوذكسيين المحافظين، ومع ذلك، تم إلغاء هذا الحظر في عام 1524 بأمر من السلطان التركي العثماني سليمان الأول، مع المفتي الكبير محمد سعود الأحمدي بإصدار فتوى تسمح باستهلاك القهوة.
وفي القاهرة، فرض حظر مماثل في عام 1532، وأقيمت المقاهي و المستودعات التي تحتوي على حبوب البن خلال القرن السادس عشر، وصلت بالفعل إلى بقية الشرق الأوسط، ومن الشرق الأوسط إلى إيطاليا، ثم إلى بقية أوروبا، ونقلت محطات القهوة من قبل هولندا إلى جزر الهند الشرقية والأمريكتين. . وبالمثل، تم حظر القهوة من قبل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بعض الوقت قبل القرن الثامن عشر.
ومع ذلك، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اتجهت المواقف الإثيوبية نحو شرب القهوة، وانتشر استهلاكها بسرعة بين عامي 1880 و 1886؛ وفقا لريتشارد بانخورست، “كان هذا يرجع إلى حد كبير إلى الإمبراطور منيلك، الذي شرب نفسه، و أبونا ماتيوس الذين فعلوا الكثير لتبديد اعتقاد رجال الدين أنه مشروب مسلم”.
وكان من أهم الكتاب في وقت مبكر على القهوة عبد القادر الجزري، الذي قام في عام 1587 بتجميع عمل تتبع التاريخ والخلافات القانونية في القهوة بعنوان عمدة الصفوة في حل القهوة.
وأفاد أن شيخ جمال الدين الذبحاني (1470 هـ) مفتي عدن كان أول من اعتمد استخدام القهوة (حوالي 1454)، ووجد أن من بين خصائصها أنها كانت تقوده بعيدا عن التعب والخمول، تجلب للجسم النشاط.
أول من استخدمها:
كان أسلاف إثيوبيا من مجموعة أورومو العرقية اليوم أول من لاحظوا تأثير شجرة البن المحلية في الطاقة والنشاط.
وقد أجريت دراسات التنوع الجيني على أصناف القهوة العربية، التي وجد أنها ذات تنوع منخفض ولكن مع الإبقاء على بعض الزيجوت المتبقي من مواد الأجداد، والأنواع ثنائية الارتباط المرتبطة ارتباطا وثيقا ب كافيا، تم العثور على أدلة تشير إلى المكان الذي نمت فيه القهوة في أفريقيا كان السكان الأصليين قد استخدموه كمنشط.
هناك العديد من الروايات الأسطورية في أصل القهوة، ترتبط واحدة من هذه الروايات بالصوفي اليمني أكبر نور الدين أبو الحسن الشاذلي، عند سفره إلى أثيوبيا، تقول الأسطورة: إنه لاحظ أن الطيور تتمتع بحيوية غير عادية عند تناولها حبات البن.
وتعزو روايات أخرى في اكتشاف القهوة إلى تلميذ الشيخ أبو حسن شاذلي (عمر) وفقا للوقائع القديمة المحفوظة في مخطوطة عبد القادر عمر الذي كان معروفا بقدرته على علاج المرضى من خلال الصلاة، نُفي يوما ما من موكا إلى كهف صحراوي بالقرب من أوشاب ، كان عمر جائعاً فمضع حبات البن من الشجيرات القريبة لكنه وجدها مرة، حاول تحميص حبات البن لتحسين النكهة، لكنها أصبحت صلبة ثم حاول غليها لتليين البن مما نتج عنها سائل بني اللون ذو رائحة عطرة، عندما شرب عمر السائل شعر بنشاط استمر لعدة أيام.
وهناك رواية أخرى تتعلق ب( كال ألدي ) راعي الماعز الإثيوبي في القرن التاسع، الذي لاحظ آثار النشاط على قطيعة عندما مضغوا حبان البن الفاتح اللون ،دفعته البهجة إلى جلب هذه الثمرة إلى راهب في دير قريب، ولكن الراهب رفض استخدامها وألقوا بها في النار فخرجت منها رائحة مثيرة تسببت في دهشة الرهبان الآخرين فقاموا بسحق حبوب البن المحمصة في الجمر، ثم ذوبت في الماء الساخن، مما أسفر عنها أول فنجان من القهوة في العالم.
يعد هذا الحديث الصغير عن ماضي القهوة، قررت أن أسأل عدة نساء من بلدان وجنسيات مختلفة عن معنى القهوة بالنسبة إليهم، وطقوس القهوة الصباحية في عالمهم.
⬅️ يوفانا، فرنسيه، 27 عاما، تدرس علم الاجتماع قالت:
( القهوة الصباحية تبدد الحزن والقلق، عندما استيقظ في الصباح أول ما يتوارد إلى ذهني هي القهوة مباشرة، وعندما لا احصل علي هذه القهوة الصباحية، يتعكر مزاجي ونهاري ولا أقوي علي القيام بأي شئ لحين حصولي على أول كوب من القهوة الدافئة مع الحليب، الحليب مهم جدا لا اشرب قهوتي من دونه لكن من دون السكر ايضا، أعشق هذه الطعم الصباحية والشعور الدافئ الذي تبعثه القهوة بداخلي، القهوة تعطيني قوة وتضئ نهاري بأكمله، لاحقا وخلال النهار اشرب الكثير من الشاي وأحيانا قهوه، لا يهم المهم القهوة الصباحية قبل أي شئ أخر).
⬅️ ماتيلدا، ألمانيا، 28 عاما، موظفه بإحدى الشركات قالت:
( عندما استيقظ اول ما أفعله هو تناول الفطور اولا ثم احتسي كوب من القهوة مع سيجارة من دون هذا الروتين لا يمكن أن أبدا نهاري، لدي آله خاصه تصنع القهوة، في اليوم العادي احتسي حوالي أربع فناجين من القهوة، صباحا وخلال وقت الراحة في العمل.. بعد الغداء وحتى في المساء، انا اعشق طعم القهوة بشكل عام كما أنها تمدنا بالنشاط الذي افتقده صباحا).
⬅️ ريتا، لبنانيه، 32 عامل، دكتوره قالت :
( اعتدت على شرب القهوة في الصباح، كانت امي تحضر لنا القهوه التركيه في الصباح لنشربها سويا ثم ينصرف كل منا إلى أعماله اليومية، لكن الوضع تغير حين بدأت في شرب القهوة الأمريكية التي تحتوي على كمية كافيين مختلف عن الكمية الموجودة بالقهوة التركية، هذا التغيير أثر في الاسبوع الاول على الاستفاقة صباحا، كما اني اول ما اوصل الي عملي اول ما أفعله هو تحضير كوب كبير من القهوة ليبدأ معه النهار فعليا ونبدأ العمل).
⬅️ سمر، مصريه، 22 عاما، تدرس لغه عربيه قالت:
( أعشق القهوة ورائحتها، القهوة شئ أساسي في الصباح حتى أتمكن من متابعة يومي الدراسي، كما أني اعتدت على شرب القهوة مع القراءة حيث أنها تساعدني على الانتباه والتركيز وتحسين الحالة المزاجية والتخلص من مشاعر الحزن والاكتئاب).
وبالنظر إلى الآراء المتضاربة باختلاف الجنسيات، حول اعتقادهم أن الكافيين الموجود في القهوة عامل مساعد ومحفز على التركيز والنشاط الجسماني.. حقيقة أم وهم ؟
وهل للكافيين تأثير على الكيمياء الدماغية؟
وهل يعد إدمان الكافيين مثل إدمان المخدرات؟
⬅️ أجرى أحد الباحثين في جامعة ستانفورد الأمريكية:
(روسيل بولدارك ) تجربة مثيرة جداً على دماغه للتعرّف إلى الفوائد الصحية للقهوة، واختار المخ بالذات لأنّ غالبية عشّاق هذا المشروب تستهلكه لتعزيز تركيزها ومزاجها العام.
التقط بولدراك آلاف الصور لدماغه على مدار عام ونصف باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي، حيث كان يصوّر مخّه بمعدل مرتين في الأسبوع لعشر دقائق وكان يلتقط صورة كلّ ثانية، ليصبح إجمالي الصور التي يلتقطها خلال الجلسة الواحدة 600 صورة، أيْ إنّ إجمالي الصور بلغ 78 ألف صورة ليصبح دماغه الأكثر خضوعاً للبحث والتجارب على مستوى العالم. كما خضع لتحليل دم مرّة أسبوعياً، وكشفت النتائج أنّ شرب القهوة يساهم في تعزيز اتصال الخلايا العصبية للدماغ ببعضها البعض، وبالتالي تعزيز التفكير وتسريع إنتقال المعلومات وتحسين وظائف الإدراك.
نتائج الفحوصات :
كشفت الفحوصات أنّ شرب القهوة ساهم في تعزيز استقرار دماغ العالم الأميركي، وثبات وظائفه الإدراكية وتحسين القدرات العقلية، وكانت النتيجة الغريبة الوحيدة هي تدهور الوظائف والعمليات الحيوية المتعلّقة بالإبصار واللمس حال انخفاض مستويات الكافيين في الدم.
كما أظهرت النتائج أنّ مستوى الالتهابات في الجسم وحال الجهاز المناعي لهما تأثير ملحوظ في الدماغ، و يساهمان في الحدّ من نشاطه , وأشار بولدراك أخيراً إلى أنّ هذه الفحوص أظهرت أنه يملك دماغاً فريداً من نوعه وأكثر ذكاءً مما كان يُعتقد.
يؤثر الكافيين على كيمياء المخ لأنه يرتبط بمستقبلات عصبية تسمى أدينوسين وهي (مستقبلات عصبية تحفز النعاس) وعند ارتباط الكافيين بها يسبب توقف خلايا المخ عن الإستشعار بها وبالتالي يقضي مؤقتًا علي النعاس، أيضا يعمل الكافيين كمنشط عقلي مركزي، وقد ثبت أنه يقوم بتعزيز الأداء العقلي للعمل والدراسة واداء المهام المعقدة، فإنه يجعل الجسم ينسى أنه متعب لأنه يحافظ علي مستويات الطاقة حتى خلال النهار مما يزيد النشاط العقلي والبدني.
لكن عندما يكتشف المخ الأدينوسين فإنه يجعلك تشعر بالتعب أكثر مما كنت والآن تزيد حاجتك للحصول على الكافيين للحفاظ على مستويات الطاقة ومساعدة المخ على العمل في أفضل حالاته، و هنا يحدث الخطأ الأكبر فعند زيادة معدلات تناول الكافيين تحدث التأثيرات السلبية على الرغم من تحسين الكافيين المزاج بصورة فورية عن طريق تحفيز الدوبامين (مستقبل عصبي يحسن المزاج ويسبب الشعور بالاسترخاء والسعادة ) فإنه يستنزف السيروتونين من الجسم (السيروتونين) مستقبل عصبي بالغ الأهمية لتنظيم العديد من الوظائف الجسدية الحيوية بما في ذلك دورات النوم، الساعة البيولوجية ، مراقبة الألم، الهضم والأهم الحد من الإكتئاب.
لذلك علينا تناول معشوقتنا ( القهوة ) باعتدال، حيث ان يمكن لفنجان واحد يوميا يقوم بهذه المهمة، وتعويض الجسم بالكافيين اذا تطلب ذلك عن طريق المشروبات الأخري.
وكما قال محمود درويش ( القهوة لاتشرب على عجل، القهوة أخت الوقت تحتسى على مهل، القهوة صوت المزاج .. صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات).
