أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

حوار الحضارات… وحوار الثقافات بين الشرق والغرب

حوار الحضارات… وحوار الثقافات بين الشرق والغرب

 

بقلم/د. عبد الولي الشميري
حوار الحضارات، وحوار الثقافات هو الجدل المنطقي الذي يرفع لواءه ويثير غباره الواعون المسالمون في الشرق والغرب، جاء هذا الاهتمام بالحوار الحضاري من دوافع مختلفةٍ، وأهداف شتى أهمها:

1. دافع الخوف من صراع تسوده القوة ووسائل الدمار الحديثة، وتقوده الأطماع وغربة الوعي بثقافة الصراعات الحضارية عبر التاريخ واستخلاص العبر منها والعظات.

2. الهدف الثاني أن لا يسود منطق الآلة والنار ويتغلب على قيم الوعي، والفكر، وجمالية الانسانية.
وقد أختلت موازين القوى الاقتصادية أولا بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ثم القوى التدميرية لصالح المعسكر الغربي الأمريكي ثم الأوربي وواكب الاختلالات فقرٌ وضعف، وتشرذم، وتناحر في أمة الشعوب الجنوبية الشرقية، والشرق أوسطية، والأفريقية، وهنا أطلقت صفارات الصدام بالتكنولوجيا، والأموال، ثم بالإعلام، ثم بالجيوش والاحتلال، فأسفرت الصدامات عن غالب، ومغلوب، ومنتصر، ومهزوم، وغنيٌّ متنعم، وجائعٌ محطَّم.

وخضع العالم المعاصر لسيطرة غير أهل الوعي والثقافة والإنسانية الذين سيطروا على مقاليد القوة والمادة، ووقوعهم تحت تأثير قوى قليلة متعصبةٍ، لن تحيا إلا في ظل عداواة وصدام للحضارات، حتى أسفرت النتائج عن ظلمٍ قاهرٍ ساحق في طرف، وعن تجويع وتجهيل في طرف آخر، وعن مزيد من الثروة، والقوة والابتزاز والهيمنة لدى الأقوياء والأغنياء.
ذلك ما أفرز الشعور لدى الضعفاء والفقراء بالظلم والقهر والاستعداد السياسي فلجأ نفرٌ قليل منهم خاصة الشباب المندفع المتهور نحو العنف والارهاب، واستنفر الأقوياء للرد جيوشهم وأموالهم، وإعلامهم، وشعوبهم للمواجهة غير المتكافأة، ولما لم يجدوا عدوًا حقيقيًا مستعدًا للصدام معهم، بل وجدوا أنظمة تستسلم وتعلن انضمامها للأقوياء، وشعوبًا تتدافع بشدةٍ نحو الأمل إلى رغيف جاف من يدٍ تضغط على الزناد فحسب، تحول البحث لدى قيادات القوى الكبرى عن عدوٍّ ولو وهمي ليبتزون به مزيدًا من الولاء، ومن الثقة لدى شعوبهم تحت مبرر دعم الحملة العسكرية وأنهم في حالة حرب مع عدو، ذلك العدو الوهمي الذي لا وجود له في ساحة المواجهة هو معنويٌّ لا حسيّ، وهو الإسلام الدين الإلهي المقدس والأمة التي تدين به، ولو كانت أكثر اهتمامًا برغيف عيشها من اهتمامها بمقاومة من يغزوها.
وقد رأينا بأم أعيننا طائرات تلقي الخبز، وأخرى تلقي القنابل والصواريخ، وفي هذا الفعل دليل واضح وكاف على أن القوة الجبارة العالمية عسكريًا واقتصاديًا إنما تقاتل جوعى، وفقراء، ومقهورين دفعهم واقعهم إلى كراهية الحياة وحبِّ الموت. وهنا تعالت أصوات العقلاء من أهل الثقافات والتسامح لاعلاء صوت العقل، والمنطق الحواري بين الحضارات، لكن المنطقة الأكثر وعيًا، والأكبر تضررًا هي دول أوربا لأنها ذات حضارةٍ، وثقافة، وتأريخ.
والمنطقة التي وقع عليها بؤرة تدفق الزلزال الصدامي هي البلدان العربية والإسلامية، لأنها أيضًا تشعر بالظلم، وأنها ذات حضارة، وثقافة، ودين، وتاريخ، وفي خارج هذه الدول قوى أخرى أقل تضررًا من الصدام لموقعها الجغرافي الأبعد، ثم لأنها غير ذات حضارةٍ تليدة بل إن حضارتها وليدة، كأمريكا مثلا، ولكنها مع ذلك تقود الصراعات نحو التصعيد، دون وجود قواعد فكرية أو قيم حضارية تقود ذلك التصعيد، إنما منطق الاستقواء، وأطماع النفوذ والسيطرة، وتعمل على تجييش القوى الأوربية وراءها لمعارك الصدامات التي لن تنتهي مهما طال عليها الزمن لأنها صدامات عدوانٍ، وظلم، واستقواء ستظل حتى يعود الوعي لتلك الشعوب، أو تسقط مدنيتها، وحضارتها تحت وطأة ذنوب الظلم، والاعتماد على أهدافٍ خاطئةٍ لن يسمح لها القدر بدوام النصر ولا بالخلود. وحوار الحضارات هو أصدق الحلول وأفضل السبل لدوام التعايش، وإشاعة الحب، وإرساء قيم العدل والسلام.
لكن المحاور العربي، والمحاور الأوروبي كلاهما لا يملك تأثيرًا على صناعة القرار في مجتمعه، ولا وسائل تعزيز مجابهة الصدامات الحضارية، وبالتالي فالمتحاورون أصحاب قيم نبيلة في كل زمان ومكان، ولكن المتحاورين حاليًا لا يملكون تأثيرًا على الشعوب صاحبة القرار في الغرب حتى يصلون درجة الأغلبية، كما لا يملكون القدرة على إقناع الحكام أصحاب القرار في الشرق الذين يصارعون مرارة الهزيمة ويوقعون صكوك الاستسلام فقط دون استعداد لتقبل ما لم يتعودوا عليه.
وذلك ما أفرز مفهومًا خاطئًا لدى أوسع الأوساط اهتمامًا بالفكر الحضاري في الغرب وفي الشرق؛ بأن الطرف الذي ينادي بالحوار ومنطق العلم، والعقل هو الذي وقعت عليه كارثة الهزيمة، ويعجز عن التصدي للهجمات المضادة. أما الطرف الذي يقدر على تحقيق نصرٍ ولو دموي مدمر ضد الآخر فلا يفكر في اللجوء للتحاور، ولا يستجيب لأصوات النبلاء ومنطق الحوار. وبكل أسف فإن لغة الحوار بين الحضارات لا تكون إلا عندما تتكافأ القوى المادية والعسكرية، ويكون كل طرف قادرٌ على انزال هزيمةٍ أو تدمير للآخر، هناك فقط يأتي دور الحوار.
وأختم بأن الحوارات الحضارية القائمة، وقد شاركت في عدد كبير من ملتقياتها يسود معظمها جوُّ الحوار مع الذات، وليس مع الآخر، ونسمع أنفسنا ما يعرفه عنا إلا القليل في ظلِّ حاجةٍ ماسةٍ وضرورة بشرية لقيام حوارات حضارية جادة وهادفة بين أوروبا والعالم العربي الإسلامي، لأنهما ملتقى سماويًّا لكل الحضارات، ومهبطًا لكل القيم.
الدكتور عبد الولي الشميري

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.