أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

“ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين

“ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين 
كتبت : غادة العليمي
في هذا الشهر ودعًا عالمنا الموسيقار زكريا أحمد 14 فبراير 1961
معارك عديدة خاضها الملحن الراحل زكريا أحمد (6 يناير
1896 – 14 فبراير 1961)كان صامدا في مواجهة كل شيء،
برغم ما يخفيه من أحزان قاتلة، كان أبرزها انتحار ابنه
واختفاء الابن الثاني ووفاة الثالث، وباتت كل المحاولات
فاشلة في إخراجه من حزنه عدا الموسيقى والتلحين، يمسك
العود بيديه وتنهمر دموعه التي لا تتوقف، وكان الحزن
والشجن وسيلته لتقديم لحن لن يتكرر.
السيرة الذاتية
اسمه بالكامل زكريا أحمد جعفر
وُلد ببلده سنورس محافظة الفيوم  فى ٦ يناير عام ١٨٩٦   ، 
 لأبٍ حافظٍ للقرآن وهاوٍ لسماع التواشيح مما أكسب زكريا الحسّ الموسيقي؛
اما أُمّه فكانت من أصل تركي 
أراد له والده الاتجاه نحو المشيخة والعلوم الدينيه فألحقه بأحد الكتاتيب ثم بالمدرسة الابتدائية ثم التحق بالأزهر الشريف، فتلقى العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية وأجاد حفظ وتلاوة القرآن الكريم ومن هنا كان لقبه الذى صاحبه طوال حياته لقب ( الشيخ زكريا أحمد )
وكان للفنان العظيم  حضور فني قوي  يثير الإعجاب في منتديات القراءة والتلاوة بصوته وأدائه الفذ  
وجعلته حاسته الموسيقية الفطرية يقوم بتتبع غناء كبار المنشدين والمطربين. وتأثر بمنشدي التواشيح الدينية كالشيخ درويش الحريري كما تأثر بألحان عبده الحامولي والشيخ سلامة حجازي
 وكان يذهب إلى أماكن تواجدهم وحفلاتهم ويحفظ ألحان هؤلاء بسرعة عجيبة
 وأصبح يشتري كتب الأغاني والموشحات والموسيقى.
أزعجت هوايته هذه والده كثيرا فأخفى الشيخ زكريا كتب الأغاني وسط الكتب العلمية لكن سرعان ما اكتشف أمره وعنفه أبوه بشدة وكان شديد القسوة معه
 مما أخاف الشاب الصغير وجعله يترك منزل أبيه لا يعرف إلى أين يذهب وقد ضاقت به الدنيا.
ثم توسط أهل الخير بينهما فعاد الشيخ زكريا إلى منزل أبيه، وبدأ الأب الذي استبد به القلق على مستقبل ابنه ومصيره يحاول إسداء النصح له.. إن الفن في رأيه لا يطعم ولا يفيد، وها هم أساطين الطرب وأساتذة التلحين عبده الحامولي ومحمد عثمان ومحمد سالم، قد ماتوا جميعا فقراء..
لم يكن ذلك المنزل الذي عاد إليه زكريا بالمنزل الهادئ بأي حال  فقد ماتت والدته وتزوج والده بأخرى كانت تتفنن في تدبير المكائد له وتثير عليه والده باستمرار حتى يئس من حياة مستقرة  وبدأ الفن يلهب خياله ويواسيه في معاناته
 فترك بيت والده بلا رجعه وسار في طريق الفن يزور المسارح ويرتاد الحفلات ليسمع ويتعلم وأصبح الفن ملاذه وملجأه.
و في عام ١٩١٩ بدأ زكريا احمد  رحلته الحقيقية نحو الفن ليبدأ كملحن بعد أن اكتملت لديه معرفتة الموسيقيه وتفاصيلها  وقدَّمه الشيخ علي محمود والشيخ الحريري إلى إحدى شركات الأسطوانات.
ثم في عام ١٩٢٤ بدأ التلحين للـمسرح الغنائي ، ولحَّن لمعظم الفِرَق الشهيرة مثل: فرقة علي الكسَّار، وفرقة نجيب الريحاني، وزكي عكاشة، ومنيرة المهدية. وبلغ عدد المسرحيات ٦٥ مسرحية لحَّن فيها أكثر من 500لحن.
جمعته صداقة بالشاعر بيرم التونسي  كانت من أهم محطات الحياة الفنية بالنسبة للشيخ زكريا أحمد، وقدما سويًا عدد من الأوبريتات والأغنيات الناجحة، ومن شدة ارتباطهما كانت المفارقة بأن الاثنان فارقا الحياة في نفس العام ١٩٦١ بفارق أيام قليلة، حيث توفى “بيرم” ٥ يناير، و”زكريا” ١٤ فبراير.
كون ثنائى غنائى ناجح بكوكب الشرق عام ١٩٣١ بدأ التلحين لأم كلثوم ، حيث لحن لها تسعة أدوار أولها دور ( هو ده يخلص من الله ) 
 و اخرها دور ( عادت ليالى الهنا ) سنة ١٩٣٩ . كما لحن لأم كلثوم الكثير من أغانى أفلامها مثل الورد جميل ،
 غني لى شوي شوي ، ساجعات الطيور ،
 قولى لطيفك .
ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين
كما لحن لها في الأربعينيات عدداً من الأغانى الكلاسيكية الطويلة التى صارت علامات فارقة في تاريخها مثل الأهات ، أنا في انتظارك ، الأمل ، حبييى يسعد أوقاته ، أهل الهوى ، حلم . و اختلف معها سنة ١٩٤٧م ، و حتى عام ١٩٦٠م حيث لحن لها أخر روائعه الهوى غلاب ، ثم توفى في ١٥ فبراير ١٩٦١ . و يعد زكريا من رواد فن الطقطوقة حيث ارتقى به شوطاً عظيماً ، كما كانت ألحانه كلها غارقة في العروبة والأصالة . وأعيد تقديم اعماله المسرحية سنة ١٩٧٠ إحياءً لذكرى هذا العملاق .
وعن علاقته بكوكب الشرق تحدث عنها زكريا احمد بنفسه بإستفاضه
 فى حوار نادر اجراه  لمجلة الكواكب عام ١٩٤٩
وذكر أن  كواليس أول لقاء له بأم كلثوم كان قبل أن تصبح نجمة غنائية شهيرة على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط وتلقب بـ”كوكب الشرق”.
 
وتقابل الشيخ زكريا مع ثومة، حينما دُعي عام ١٩٢٠ إلى إحياء شهر ليالي رمضان عند على أبو العينين أحد تجار السنبلاوين الذي عرفه عليه أحد الموسيقيين واتفق معه على أن يغني بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم، وبالفعل استعد زكريا أحمد إلى إحياء ليالي رمضان وبدأ يغني على ألحان العود والشيخ محمد عمر القانونجي يعزف له القانون، ولم يمض أسبوع من رمضان وفي إحدى الليالي أخبروه أنهم أعدوا له مفاجأة عظيمة.
 
فإذا بالمفاجأة أنهم اكتشفوا أجمل صوت وسمعوه في بلدة مجاورة، فانتظر زكريا أحمد المفاجأة فحضرت فتاة صغيرة تلبس العقال العربي وتمشي متعثرة في خطوات خجلة، ومعها شقيقها خالد الذي يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ويتقدمها في المشي ويكاد يقود حركتها يقول زكريا أحمد: “لا أدري ما السر الذي جذبني نحو هذه الفتاة وجعلني أومن بأنها صاحبة هذا الصوت العجيب”.
ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين
بدأ يحادثها فأثارت انتباهه لذكائها الخارق بالنسبة لسنها حيث لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها وأعجب بخفة دمها وروحها الحلوة وكان وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية، فطلب منها أن تغني فغنت وأبدعت وروت وأشبعت، فصوتها العذب الجميل أصاب زكريا أحمد بالصم والبكم الذي جعله لا يسمع أحد إلا صوتها ولا يتكلم إلا باسمها “أصبحت مفتونا بها وأحبها حب الفنان للحن خالد تمنى العثور عليه دهراً طويلاً”.
 
تشجع زكريا أحمد وطلب منها أن تزوره طيلة شهر رمضان فاستجابت لرغبته، يقول “ولم تكن تلك الاستجابة حبا في عيون العبد لله بل كان لشغفها للاستماع للقصائد والأغاني التي أغنيها والتي كنت أحاول تحفيظها لها”، مضيفا أن هذا اللقاء حدث وقت أن كان في الرابعة والعشرين من عمره وكان شابا أنيقا شديد العناية بملابسه حتى إن خالد شقيق أم كلثوم لمح حقيبة سفرى فوجد فيها ٦ أحذية ففضحني وسط أهل البلدة قائلاً: “هو فيه حد بيسافر ويشيل معاه ٦ جزم”.
 واسترسل زكريا احمد وذكر  
انه فيما بعد توثقت علاقتة  بأم كلثوم وشقيقها فدعته لزيارة منزلها بقرية طوماي الزهايرة وعرفته بوالدها الشيخ إبراهيم الذي كان في غاية التقوى والورع :
وقال كنت “كنت أمص مع أم كلثوم القصب وألاعبها الورق على الطبلية وذلك لإرضاءها حيث كانت فتاة حرة غير مقيدة بالمسؤولية التي قيدتها فيما بعد وكانت لا تحب سوى الموسيقى والمرح”.
 
انتهى شهر رمضان وغادر زكريا أحمد المنصورة وظلت أم كلثوم تراسله بخطابات مكتوبة بحبر أخضر اللون يذكره بالخضرة والصوت الحسن الذي سمعه في شهر رمضان فوجد نفسه تدفعه للدعاية لها في القاهرة من حيث لا يدري ولا هي تدري، وفي نهاية عام ١٩٢٠ طلب منه أحد أصدقائه التجار أن يحيي له “فرحا” فكتب لها زكريا أول خطاب فقبلت وردت بعبارة مؤدبة وكان أجر الحفلة ٨ جنيهات ورفعته لها إلى ١٠ جنيهات
ثم بدأ التعاون بينهما 
 قبل نهاية أربعينيات القرن الماضي ثم دب خلاف بين أم كلثوم ، والشيخ زكريا أحمد  وذلك بسبب اعتراض «الشيخ» على تقاضي كوكب الشرق أموالًا نظير إذاعة أغنياتها التى قام بتلحينها زكريا أحمد بالإذاعة المصرية ، الأمر الذي جعله يطلب الحصول على نسبة من إذاعة أغنياته التي قام بتلحينها في إطار حقوق الملكية، وهو المطلب الذي لم يلق استحسانًا لدى أم كلثوم، ورفضت منحه أي نسبة من إذاعة هذه الأغنيات.
و رفض أم كلثوم ، جعل الشيخ زكريا أحمد، غاضبًا من طريقة التعامل معه ومن رفض الإذاعة منحه نسبة بزعم أنه تنازل لـ«الست» عن حقوق هذه الألحان، الأمر الذي أكد عدم صحته وأنه لم يتنازل لها عن حقوقه فيما يقدمه لها من ألحان، واضطر«الشيخ» أن يلجأ للقضاء المصري.
وحدثت ضجة شديدة في الشارع المصري والعربي وقعت إزاء قيام الشيخ زكريا، برفع دعوى قضائية ضد أم كلثوم التي طالما تغنت من ألحانه وأسعدت الملايين، وأصبح الأمر حديث الصحافة، واستغرق الخلاف بين «الشيخ» و«الست» مايزيد عن ١٣ عامًا كامله وفشلت كل محاولات الصلح بينهما وإزالة أي حواجز في علاقتيهما
حتى في بداية الستينيات من القرن الماضي ، ووسط حضور مكثف من المواطنين وعشاق أم كلثوم والشيخ زكريا، تدخل القاضي خلال نظر القضية التي أقامها «الشيخ» ضد كوكب الشرق لمحاولة الصلح بينهما وأن الجميع يتمنى عودة أم كلثوم للغناء على نغمات الشيخ زكريا.
ونجح القاضي بعد ساعات من التشاور والكلام، في الصلح بين أم كلثوم ، والشيخ زكريا أحمد.
نحى  القاضى أوراق القضية جانبًا، وظل لمدة ساعتين يحاول إقناع الطرفين بالتصالح، مؤكدًا لهما على أن المجتمع العربي يتمنى سماع أم كلثوم تتغنى بألحان زكريا أحمد مرة أخرى، حتى اقتنع زكريا وقال: “إن أم كلثوم هي سيدة مطربات الشرق، وإنه إنما يخدم الفن في صوتها”، واتفقا الاثنان وقتها بحضور مدير الإذاعة المصرية، أن يعود زكريا للتعاون مع أم كلثوم من خلال ثلاثة ألحان يقدمها لها خلال عام، وأن يتقاضى في كل لحن منها ٧٠٠ جنيه، وبالفعل قدما أغنية “هو صحيح الهوى غلاب” لكنه توفى بعد أقل من شهرين من الأغنية التى نجحت نجاح غير عادى
تاركاً خلفه ألحانه الخالده فى ذاكره الموسيقى العربية  للفنان العبقرى الذى لحن ما يقرب من ١٦٠٠ لحن وهو عدد خرافى منوع ما بين طقطوقه واغنية قصيرة وطويلة ومسرحية وموسيقى تصويرية لعديد من الافلام العربية
 تحدث عنه صديقه الاديب الكبير نجيب محفوظ ، فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لـ«رجاء النقاش»، فوصفه   كأظرف الشخصيات التى قابلها فى حياته: وقال عنه …
 ابن بلد ، لطيف، «حبوب»، «ابن نكتة»، حكاياته لا تنتهى، حكاية تجرك إلى حكاية أخرى فى تسلسل عجيب، وترابط مذهل، قد يبدأ فى سرد حكايته الأولى فى التاسعة مساء، ويعود إلى نفس الحكاية فى الثالثة صباحا، وما بينهما عبارة عن استدراك وملاحظات».
“ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين
واضاف نجيب محفوظ: كنت أسأل نفسى: متى يعمل الشيخ زكريا، ويتم ألحانه وهو يداوم على سهراته اليومية، واكتشفت أن لديه قدرة التلحين فى أى وقت، وأذكر أنه لحن أغنية «حبيبى يسعد أوقاته» لـ«أم كلثوم»، وهو يجلس معنا، وفى مرات عديدة كان يضع لحنين مختلفين لأغنية واحدة ويعرضها علينا لنختار الأفضل، لم يكن الشيخ زكريا يحب القراءة، وربما كانت روايتى «زقاق المدق» هى روايتى الوحيدة التى قرأها، وأعجب بها للدرجة التى جعلته يعيد صياغتها ويحكيها أمامنا كأنه المؤلف»
وزكريا أحمد عندما يتحدث لا يستخدم مصطلحات ثقافية أو فكرية لكنك تشعر أنك أمام رجل شعبى وابن بلد مليء بالموسيقى.. 
أما شخصيته فهى غاية فى الطيبة والإحساس بالمودة الدافئة نحو الناس وما كنت أظن أنه يمتلك كل هذا القدر من الكبرياء الذى جعله يختلف مع أم كلثوم، ذلك لأنها كانت تعطى له أجرا ممائلا للملحنين الذين يتعاملون معها بينما هو لديه الإحساس أنه متفوق وأن ألحانه مميزة عن ألحانهم”. 
  اتفق مع الزجال الساخر بيرم التونسى على مواجهة الإسفاف فى الأغنية وقدما أغنية (يا أهل المغنى دماغنا وجعنا )وصارا اصدقاء فيما بعد، وكما نشرت مجلة بناء الوطن عام ١٩٦١ تحت عنوان “ياصلاة الزين على زكريا أحمد ” قالت: انطلق زكريا احمد الى عالم الاغنية السياسية فكتب يقول ( يا أرض رجى وزلزلى .. عرش الطغاة الظالمين ، ويا لعنة الله انزلى نيرانا على المتغطرسين) وكان لا يمل الحديث عن أيام الصعلكة المشتركة بينهما فى حوارى القاهرة الشعبية المظلمة.
وواصل “محفوظ”: أحب زكريا احمد الموسيقار سيد درويش الى درجة العبادة ، وقد تطور حب الموسيقى والغناء عنده على يد الشيخ درويش الحريرى صاحب المقامات 
والحقيقة أن نهر الشيخ زكريا الذي لا ينضب من الألحان البديعة والغنية جعل بعض النقاد يقولون بأن الشيخ زكريا كان يخيف الملحنين الآخرين  فألحانه تفيض فيضا تلقائيا لا تصنع فيها ولا تكلف، ويتلقاها الجمهور دائمًا بالإعجاب وهذا سر عبقرية شيخ الملحنين الذى لا يعرفه أحد
لكن كل عشاق الفن العربى الاصيل يعرف انه احد اعمدته وصاحب افضل واجمل وابدع الروائع الغنائية فيه 
ذات يوم” .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين
"ذات يوم" .. وفاة عبقرى الموسيقى زكريا احمد شيخ الملحنين
زكريا احمد
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.