رسالة وفاء من الكلب  بقلم: د. رحاب أبو العزم

رسالة وفاء من الكلب

 بقلم: د. رحاب أبو العزم

قال تعالى:
((وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلْوَصِيدِ ۚ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)).

لقد مدَّ الكلب ذراعيه على باب الكهف لحراستهم، ومنع الأعداء من الوصول إليهم، ليرسل للصاحب والرفيق والشريك رسالة تعليمية عن الوفاء والإخلاص وإحساس الشريك بالأمان؛ ليعلمنا الكلب كيف يكون الوفاء لشركاء ورفقاء الحياة.
صحبة الأخيار.

صحبة الأخيار

ومن صحبة الأخيار تنطلق الحياة الآمنة، ومن صحبتهم ينفجر بركان الطمأنينة بأن الله قد سخر لنا صاحبًا يرشدنا للخير، صاحبًا يكون الجبل الذي نتكئ عليه حال التعب، يكون لنا السند حال الفراغ البائس، يكون لنا النبع الصافي للوفاء والحب والتقدير، تلك الصحبة التي ننال بقربها البركات في جميع مناح الحياة.

أرقى درجات الصحبة

((وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)) تلك الرابطة العظيمة التي بها أخذت الزوجة من الزوج الميثاق الغليظ على حسن الصحبة وأخيرها وأعلاها رقيًا وتقديرًا؛ وما من دليل أعظم من وصف رباني في كتاب كريم بأن هذه الصحبة هي الميثاق الغليظ فيحرم على الطرفين الإخلال بما جاء فيه من معاشرة بالمعروف، وإحساس بالأمان، وتراحم ومودة؛ ليسكن كل طرف إلى الآخر مطمئنًا على ذاته من أي غدر ومن أي تلاعب، ليسكن هادئ الفكر والقلب من بديهية أن وفاء شريك وصاحب العمر أكبر من وفاء الكلب لأصحابه.

تفسير الطبري

وفي تفسير الإمام الطبري للآية أقوال عديدة منها: أخذ الله للنساء على الرجال الميثاق الغليظ بالمعاشرة بالمعروف؛ وهذا ما يؤكده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله “. والميثاق المعنيّ في الآية هو ما أُخِذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل، ولقد أوصى الله جل ثناؤه الرجالَ بذلك في نسائهم.

الميثاق مع الله

حينما يخرق الزوج الميثاق الغليظ فإنما يخرقه مع الله تعالى وأرى -والله أعلم- بأن القرآن الكريم أتى باللفظ (وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا) ليرتدع الرجال قبل أذيتهم للزوجات لأن الوصية والميثاق مأخوذ مع الله تعالى؛ فلينظر كل زوج مع من يتعامل، ويتأمل مآلات أفعاله فيبسط بذراعي الأمن والأمان والاحتواء على بيته ليحسن الصحبة، ويكون أوفى لزوجته من وفاء الكلب لأصحاب الكهف.