أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

صناعة الامل ..ووزير السعادة بقلم / الدكتور جميل محمد

 الدكتور جميل محمد

الخبير الاقتصادي

 

بين الفينة والاخرى ترشح أناء عن إحتماليه تدشين وزارة للسعاده في مصر وفي كل مرة تخرج التصريحات الحكومية نافية الامر وبشده أخرها في يوليو المنقضي  .

أن لايكون لديك جاهزية الان لانشاء وزارة للسعاده فهذا ليس عيباً أو خطأ إستراتجياً وإنما نحتاج أن نضمن ذلك في الاجل البعيد بما يتماشى مع رؤية 2030 .

وزارة السعادة ليس درباً من دروب الكماليات  وإنما نحتاج إليها كصناعه للامل فالامل نفسه هو السبب الرئيسي لتحمل الشعب المصري تبعات الاصلاح الاقتصادي حتى الان وهي القادرة في ذات الوقت على دحر مشاعر القلق والتوتر من الارهاب الاسود وزير السعادة هو نقطة مضيئة مع الحكومة يعمل على جس نبض الشارع ومخاوفه وإرسال رسالة الطمأنينة للمستقبل أن تجربة دولة الامارات لم تكن بمثابة إجراء ” شو” بقدر ماهو إيماناً من هذه الحكومات بأهمية التأثير الفعال للسياسات الاقتصادية الكلية على المواطنيين .

وفقاً لتقارير اليوم العالمي للسعادة وهو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة يوما عالميا للسعادة، اعترافا منها بأهمية السعي للسعادة في تحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر وتحقيق الرفاهية للشعوب  وتعتمد التقارير الاممية السنوية على عدة معايير لقياس رفاهية الشعوب وجدارة الحكومات في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها وفقاً لستة معايير رئيسية ويصنّف التقرير البلدان انطلاقاً من ستة معايير رئيسية منها حصة الفرد من الناتج المحلي والحرية ومتوسط العمر المتوقع والدعم الاجتماعي والكرم. ووفقاً للمؤشرات  الاخيرة التي تصدر كل عام لازالت مصر تتأخر في العام الفارط 2018 حصلت مصر على المركز 122 من إجمالي 156 دولة في قائمة مؤشر السعادة العالمي وجاءت القاهرة خلف الإمارات التي حصلت على المركز الـ20، والسعودية (33)، والكويت (45) وليبيا في المركز الـ70 والجزائر الـ84، والمغرب الـ85، ولبنان الـ88، والأردن الـ90، والصومال 98، وفلسطين 104، وتونس 111، والعراق 117 بينما تحافظ  الدول الاسكندنافية كالعادة المراكز الأولى في قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم، والتي تشمل 156 دولة، غير أن فلندنا تقدمت هذا العام لتنتزع المركز الأول من النرويج التي كانت قد احتلته في تقرير العام الماضي 2017 ، في حين جاءت الدول الأخيرة وفقا للتقريرمن إفريقيا، وهي تنزانيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوروندي.

 

ولايمكن بأي حال من الاحوال أن ننظر لهذه التقارير   أنها مجرد أرقام داخل أبحاث  سنوية ليوم السعادة العالمي الذي قد ينظر له بسطحية  شديدة حتى من قبل الثقافة الشعبية  وعلينا في كل عام أن نقيم الاداء وفقاً للمعايير الستة التي ذكرتها أنفاً  وأن نحاول أن  نبحث عن الاسباب ونقيم الموقف ونحلله ونضع روشتة للعبور بمصر من هذا المركز فالسعادة مفهوم تراكمي لايمكن إنحساره على جيل واحد بل هو يبني للمستقبل وللاجيال القادمة وكلما قل التفاعل والمجهود جنى الجيل القادم مراتب متأخرة فالترتيبات ليست وليدة لحظة وإنما جهد يبنى على مدار سنوات ليجني ثماره .

الحالة المصرية قد تبدو مختلفة عن الاوضاع مع نظيراتها في الترتيب المتدني لاسباب لابد من قرائتها القراءة الصحيحة والممنطقة لتحديد المهام ووضع الاستراتجيات  وأعتقد أن الفساد يتصدر المقومات التي جعلت مصر تتأخر عن الركب ووضعها في ترتيب دول تعاني حروباً ومجاعات  ورغم الجهود الحالية لمكافحة الفساد التي طالت القاصي والداني من الجهات الرقابية إلا أننا نحتاج لاستراتجية لاجتثاث ترسانة الفساد المتراكمة عبر عقود صاحبها التعايش مع الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، والتوزيع غير العادل للثروات، وسوء الرعاية الصحية، التعليمية، والثقافية، وهو ما جعلنا نتخلف كثيرًا عن الركب العالمي رغم الجهود الحالية لانتشال مصر من ما ألم بها عبر سنوات طويلة .

قد يبدو المسمى من وجة نظر البعض ترفاً ” وهو وجود ” وزيراً للسعادة  ؟..  نعم  نحتاج إليه في الوقت الراهن ومايمر به المجتمع من تغيرات  ديموجرافية وإجتماعية صعبة تحتم علينا وضع أهدافاً للسعادة فالمرء لايتحمل الدواء المر إلا بوجود إستراتجية للامل وللضوء في أخر النفق ماإن توافرت الشروط اللازمة في الوزير المختار.

فصناعة الامل من أصعب الصناعات وتحتاج لرؤية وثقافة وقدرة على التواصل غير التقليدي مع المجتمع وفئاته بعيداً عن الخطابات المعتادة والرؤى التقليدية ..إن صناعة الامل لم تعد ترفاً ولايرتبط  وجودها بمستوى الدخول الراهنة والمستوى المعيشي لانها صناعة تراكمية لبناء المستقبل  ولايقتصر وجود هذه الحقيبة الوزارية على دول دون أخرى لانها بناء للمستقبل المتصل بالحاضر فهي الجسر الذي نحتاج إليه جميعاً لعبور كافة الصعاب.

فالسعادة أمر نسبي ولا يتحكم بها الدخل فقط، حيث إنه من الوارد أن يكون فلاحا ودخله منخفض للغاية ولكنه سعيد، في الوقت الذي يعاني فيه أحد الأغنياء من هموم وظروف اجتماعية شديدة..

السعادة كلمة مكشتقة من أحد فروع الاقتصاد وهي إقتصاد الرفاهة هو أحد فروع الاقتصاد (Economic) الذي يسعى لتقييم السياسات الاقتصادية من حيث تأثيرها على رفاهية المجتمع. تُركز اقتصاديات الرفاهية على التخصيص الأمثل للموارد والسلع وكيف يؤثر تخصيص هذه الموارد على الرفاهية الاجتماعية، وذلك يرتبط بشكل مباشر بدراسة توزيع الدخل وكيف يؤثر على الصالح العام.وقد تم تطوير هذا الفرع من الإقتصاد خلال القرن العشرين من قبل علماء وخبراء إقتصاديين مثل آدم سميث (Adam Smith) وجيريمي بينثام (Jeremy Bentham) وفيلفريدو باريتو (Vilfredo Pareto) وغيرهم الكثير. وقد قام باريتو بتصميم مفهوم نظرية إقتصاديات الرفاهية والتي يستخدمها العديد من الإقصاديون كأهداف كفاءة مُثلى. وينص ذلك المفهوم على أن الوضع الإقتصادي سيكون الأمثل إذا لم يكن من الممكن جعل الأفراد أفضل حالاً وذلك بدون جعل أي شخص آخر أسوأ حالاً. ومن البديهي أن المجتمع المتطور والمستقر ينبغي أن يُوفر للسكان جميع الإحتياجات الأساسية دون المساس ببقية السكان.

إن التجربة التي اقدمت عليها دولة الامارات خلال العامين الاخيرين “تحقيق رفاهية المواطنين وإسعادهم” هو الهدف الأول ضمن 6 أهداف وضعتها حكومة الإمارات في خطتها لعام 2021، وتخصيص وزارة للسعادة كان خطوة ضمن عدة مسارات لتحقيق ذلك. مزيج من المشاعر استقبل فيه العالم العربي ذلك الخبر، تراوحت بين الفخر والتحسّر. الفخر كون الإمارات ستكون الدولة العربية الأولى التي تهتم رسمياً بسعادة مواطنيها، والتحسر كون السعادة في رقعة كبيرة من العالم العربي لاتزال تعني للكثيرين توفرالخدمات الأساسية في الحياة كالماء والكهرباء والرعاية الصحية على الرغم من مفاجأة الخطوة لنا نحن العرب، فإن الحقيقة أن توجه الإمارات جاء متماشياً مع التوجه العالمي الذي بدأ رسمياً عام 2012، عند إصدار التقرير الرسمي الأول للرفاهية الشخصية برعاية الأمم المتحدة.. فنحن مصر أكبر الشعوب العربية واقدمها ألا نحتاج الان لوزير يضع لنا روشتة للوصول إلى السعادة وتجرع الدواء المر للاسلاح الاقتصادي ؟!.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.