أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

طبيعة الإنسان وعاداتة بقلم: محمد الدكـروري

طبيعة الإنسان وعاداتة
بقلم / محمد الدكـروري

طبيعة الإنسان

إن الإنسان يميل إلى تفضيل الأماكن التي توفر له الطعام الكافي والماء، والمأوى، والمعلومات، والإحساس بالجمال، والميل نحوه نزعة فطرية متجذرة في أعماق النفس البشرية، وهو شعور موجود لدى الإنسان البدائي، مثلما هو عند الإنسان الأكثر تحضرا، والنفس الإنسانية السويّة تميل إلى الجمال وتشتاق إليه، وتنفر من القبح في شتى صوره، وتقيم عنه بعيدا، وإنها والنفوس السوية تثير لديها الإعجاب وتتفاعل معها روحيا إذ تتحول لديها شعرا، وأنشودة، وعبادة، وإجلالا، وتسبيحا وتعظيما لمبدع هذه الطبيعة وخالقها، فأي شيء في الطبيعة مادي أو معنوي، بعدما تراه يقع لدى الإنسان السوي ما يسمّى الإيثار فيثير لديه الإعجاب ويتفاعل مع الشيء روحيا، فإن نِعم الله تعالى على عباده كثيرة، لا يمكنهم أن يحصروها لأن في كل نعمة منها نعما كثيرة، لا يعرف بعض قدرها إلا من افتقدها.

وإن للنعم أصولا وفروعا فمن فروع النعم مثلا هو البسطة في العلم والجسم، والمال، والمحافظة على نوافل العبادات، أما أصول النعم فأولها هو نعمة الإيمان، ومن أجلها هونعمة العافية، ونعمة الزمن الذي هو عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظله وبقائه، ونفعه وانتفاعه، ولقد وردت الإشارة إلى الزمن والوقت في القرآن الكريم في مواطن عدة، في معرضِ الامتنان على العباد، وفي بيان أهمية الزمن الذي هو مادة الحياة وحقيقتها، ووعاء الأعمال وإطارها الذي لا يمكن أن تخرج عنه، ولبيان أهمية الزمن أقسم الله تعالى به في مختلف أطواره، في آيات عدة، فأقسم بالليل، والنهار، والفجر، والصبح، والشفق، والضحى، والعصر، ومن المعروف لدى المفسرين وفي حس المسلمين أن الله تعالى إذا أقسم بشيء من خلقه، فذلك ليلفت أنظارهم إليه، وينبههم على جليلِ منفعته وآثاره، وقال الإمام الرازي رحمه الله، في تفسيره لسورة العصر.

أنه أقسم الله تعالى بالعصر الذي هو الزمن، لما فيه من الأعاجيب لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، ولأن العمر لا يقوّم نفاسة وغلاء، فكان الزمان من جملة أصول النعم، ونبّه سبحانه وتعالى على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان أو يستثمرها فلا غرابة إذن أن يرد ذكر الليل في القرآن الكريم أربعة وسبعون مرة، وذكر النهار أربعه وخمسون مرة، عدا ذكر أجزائهما، وقد أنب الله تعالى الكفار إذ أضاعوا أعمارهم من غير أن يؤمنوا، وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه “اعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار” وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد عملي” وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما” وقال الحسن البصري رحمه الله.

“يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم، ذهب بعضك”وقال أيضا “أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم” وقال أبو العلاءِ المعرين ثلاثة ليس لها إياب، الوقت، والجمال، والشباب، وقال الوزير الصالح يحيى بن هُبيرة رحمه الله، والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه، وأراه أسهل ما عليك يضيع، وقال أحد الحكماء “من أمضى يوما من عمره في غيرِ حق قضاه، أو فرض أداه، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه” وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور، بما لا يعجز عنه البدن في العمل، وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات، فنقل عن عامر بن عبد قيس وهو أحد التابعين العبّاد الزهاد.

أن رجلا قال له كلمني، فقال له أمسك الشمس، وقد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعا عجيبا، إن طال الليل، فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على النهر أو البحر، أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتهيؤ للرحيل، فاللهَ الله في مواسم العمر، والبدار البدار قبل الفوات، ونافسوا الزمان، فإننا في زمن عضود، تغلبت فيه المصالح الذاتية عند كثير على القيم الدينية، وقدمت المنافع الشخصية على المعايير الأخلاقية، وقد تحكَم في النفوس حب الدنيا، والاستغراق في السير وراء زخارفها، أصبح الولاء عند كثير من الناس لهذه الدنيا الفانية، عليها يوالون ويعادون، ومن أجلها يقدمون ويؤخرون، وبسببها يتصارعون، ومن أجلها ولتحصيلها يتنازعون.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.