أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

غزة قارورة عطر عتيق ” قصة قصيرة ” … بقلم: شيماء حجازي

” غزة قارورة عطر عتيق” ” قصة قصيرة “

بقلم: شيماء حجازي    

في مدينتي الهادئة التي كانت تتسع لأحلامنا، أشتم في مداخلها وطرقاتها رائحة المسك التي اكتظت بشهدائنا ، وبين شاهد وشهيد سالت دمائهم لترسم خريطة وطني على أرضنا المحتلة “فلسطين” ليرى من يرى وليسمع من يسمع؟! فالأرض تعلم من هم من جاءوا من رحمها ومن هم أهلها وعمارها ؟!، بباطن أرضها دفن من كان حي آمنا بليلها وسط أبنائه وجيرانه ، وكأنه كابوس قد نزل بهم جميعا ، لتصبح ليلة دامية تحت الأنقاض ، منهم من صعدت أرواحهم زمرا للجنان ،ومنهم من بقى حي تحت أنقاضنا ؟!ليقص لنا عن جرم حل بهم في هذه الليلة، من وراء عدسات كاميراتنا لا ترى ملامحهم من غبار الهدم فوق رؤوسهم والدماء تغرقهم ولكن بإمكاننا أن نرى جيدا مقاومتهم وإصرارهم وتمسكهم بأرضهم ، هؤلاء يعلمون جيدا حقوقهم ، يستغيثون ويصرخون يحاولون تحريك الصمت العربي ،لتجف برك الدماء هنا وهناك ؟! ولوقف المحرقة التي نالت أطفالنا التي كنا دائما ما نخشي عليهم إصابتهم بنار أعواد من الثقاب؟! وكأنني أرى عدو متعطشا للدماء ويزيد كل يوم إجراما وانتهاكا ؟! أخذت كاميراتي واتجهت لمكان آخر لأرى أم مكلومة تبكي بحرقة على أولادها الأربعة تارة تبكي وتصرخ، وتارة تقوم لتحتضن أولادها مودعة فلذة كبدها، ولتقسم بشرفها أنها لن تترك أرضها حتى تلحق بأبنائها؟!رافضة تهجيرها عن وطنها التي كبرت فيه ، وتشبثت جذورها به ، الحين تركتها وحاولت أن أذهب لمكان آخر و هنا تدلني رائحة المسك على الشهداء التي تفوح في شوارع مدينتنا المحتلة ” غزة” حينها أجهشت بالبكاء لقلة حيلتنا واستضعفنا وأننا تعبنا من المجازر والانتهاكات التي تلذذ بها عدونا ، لتتحول بلدتنا لنار موقدة و لمقابر جماعية ، دفنت بها مخاوفنا وفزعنا ؟!وليحيا الوطن كما تعودنا عليه بدون دمار ودماء تظله شجرة الزيتون ، وحمام آمن يطير بسمائها !!ولكن اليوم صار وطني أكوام من رمادا وأدخنه ونيران تلتهم ما تبقي من أحياءنا ، ولكن سيبقي هذا الدمار شاهد على هذه المهزلة؟! والعنف الذي استهدف المدنيين، وكأننا نرى مسرحية هزلية ، منذ أن بدأ العنف وتم استهدافنا لم تهنئ عيني بالنوم ، وأنا بين النائم والمستيقظ والمتأهب للقصف والهجوم في أي لحظة ، معركتنا لم تنتهي بعد سنظل ننقل ونبث الحقائق التى يخفيها عدونا دائما ويزيفها ، نقوم بفضح مكائدهم لنا وفضح أكاذبهم ؟!
في اليوم التالي استيقظت على صوت قصف أقوى من أمس ،وكأننا أصبحنا وجبة دسمة لعدونا ؟! مشبعة بدمائنا يغرس أنيابه ليفترسنا كل يوم ؟! أسرعت ك لعادة وقمت بالاتصال بصديقي ” سامر ” لنقوم بتغطية الحدث ، فهاتفته كثيرا ولم يرد ذهبت إلى الأحياء السكنية التى تم قصفها ، لأجد صديقي غريقا بدمائه وتم قصف الحي الذي كان يقطن به بأكمله ، كانت صدمة كبيرة على قلبي لفقد صديقي ، كان بالأمس مراسلا واليوم هو شهيدا أقف بجانبه أبكيه ؟! كان متمسك بواجبه نحو وطننا وأننا نقابل الموت حتما كل يوم في محافل الإبادة والقصف، حملت صديقي على ناقلة الجرحى والشهداء متوجها للمشفى لينضم إلى أعداد الشهداء ودفنهم حتى أصبحت مأساة أمام مرأى ومسمع الجميع ،ونحن كصحفيون نظل على قسمنا مترابطين ومتماسكين في قلب الحدث وإن أدمت قلوبنا المجازر والأحداث التي نكتوى بها يوم بعد يوم ، لكننا نعلم يقينا أن عدونا الصهيوني الغاشم يفر هاربا أمام مقاومتنا وستجعل دباباتهم توابيت يدفنون بها ،
وبعد ما ودعت صديقي المراسل وشيعت جنازته مع جميع شهداء القصف والهجوم الغاشم عليهم ، أسرعت مهرولا لإكمال عملي لأرى الأشلاء مبعثرة هنا وهناك ، وغارات جديدة تقصف فوق رؤوسنا ، وأحياء ما زالوا تحت الأنقاض يصرخون ألما وخوفا من أن لا يصل إليهم أحدا ، أحاول أن ألتقط الصور والتسجيلات بسرعة فائقة لنقل الصورة كاملة لما يحدث في ساحة القصف والعدوان ؟! كنت بين الحين والآخر أختبئ في العمائر المهدمة وأحاول التصوير من هناك ، والعدو يكثف غاراته علينا فهي حرب إبادة جماعية لا تذر ولا تبقى ؟! عدونا الغاشم يريد أن نموت حرقا أو جوعا وعطشا ، وإن تحملنا نحن هذه المجاعة فالأطفال سيموتون حتما موت بالبطيء أمام أعيننا ؟! بأي ذنب قتلت أطفالنا فصغيرنا لا يفرون من الموت مثلهم، ربما ما نراه من الصمت العالمي بين ما هو مقيد للإبادة والحرب وبين ما هو معارض يتشدقون بالحرية لغزتنا ووقف الحرب المسعرة ولا يحدث شيء يوقف هذا الاعتداء الغاشم ؟!
تذكرت صديقي حينما قال لي يوما القضية قضيتنا والأرض لنا عاجلا أم آجلا؟! وأننا إذا دفعنا ثمن مهرها اليوم هو موتنا ، فغدا سيحيا الوطن ، ويظل شامخا ولن تنحني فيه رأس ولن نقبل بالذل والاستسلام ؟! بعد أن توقف القصف فوق رؤوسنا أكملنا تغطيتنا الصحفية ، قابلت شاب يبكي بحرقة فقد عائلته بأكملها ووجهه يعلوه غبار الهدم مصدوما من هول ما رأى من القصف !! فتركته وأنا متلعثم بنطقي ، لأجد أناس يهللون ويكبرون لقد نجي من القصف طفل عمره أسبوعا واحدا نجي من تحت الأنقاض، وطفلة أخرى الناجية الوحيدة في عائلتها ، هذه الحرب خلفت وراءها قصص دامية ، يقذفوننا بقنابل فسفورية محرمة دوليا وبالأخص على شعب أعزل ومدنيين وأرواح بريئة لم تقترف جرم أو ذنب غير حب وطنها ولأراضيه ولمقدساته ، يصطفون في صفوف الموت حماية وحفاظا له وتحريرا لأرضه حبا للسلام والحرية ولمقدسات أرضه المباركة .
ذهبت لأحد المشافي لأري الشهداء يحملون واحدا تلو الآخر وتساقط عشرات الشهداء والجرحى في التو واللحظة ، لأجد طفل يبكي على والده الذى استشهد أمام عينه ، فكيف لك يا صغيري أن تتحمل كل هذا الألم ؟! ولم تجد من يسمع آنينك الجميع مشغول بألمه مثله تماما،؟! الجرح واحد ومصابنا جلل ؟! حتى الجرحي في المشافي غير آمنين ، الوضع هنا وهناك مأساة يعيشها أهل “غزة العزة” كل يوم
بعد يوم عمل طويل وشاق لي ، يأتي الليل بعباءته السوداء لتنير شموسه القنابل المضيئة ليلا؟! لتقذفنا وتقصفنا بالجحيم والسعير مجددا لتجعل ليلنا نهارا من الانفجارات والدمار ؟! فنحن قد أنهكنا وتعبنا من الاضطهاد و الاستهداف والقتل بدم بارد ؟!
وإذ بآذان الفجر يبعث فينا الأمل والحياة الجميع يصطفون للصلاة وقفت بين الصفوف أصلى راجين من الله أن ينصرنا على عدونا ونستعين بقوته وحوله على عدونا اللدود ؟! وبعد ما انتهيت من قضاء الصلاة ذهبت لمخيم خاص بالصحفيين ، فنحن لا نذهب لبيوتنا إلا للاطمئنان على عائلاتنا ونحن لان دري هل سنعود إليهم مرة ثانية أم لا؟! ومن ثم الرجوع مرة ثانية لعملنا ولتغطية ما نمر به من مرار الحرب ووحشية الاستهداف .
في الصباح كنت موجودا في أحد الأماكن السكانية التى تم استهدافها ليلا ليقوم فريق البحث المدني لمساعدة المصابين والجرحى والشهداء ، لألتقط صورا هزت قلبي من هول ما رأيت
هذه المرة ، لأشلاء شهداء مجمعة في أكفان بيضاء !! لم يبق منهم سوى أشلاء ؟!
ما زلت أستمر في تغطيتنا الصحفية ، وعربات الإسعاف تكتظ بالجثث والجرحي، والأهالى الذين نجوا من القصف ترى بأعينهم التيه والحزن والفزع فجميعنا تذوقنا من هذا الكأس المرير فكلنا جرحى أو فاقد لعائلته ؟! هذه الحرب على “غزة” قضت على أسر بأجمعها ولكنها جعلتنا يدا واحده مع مقاومتنا الناصرة والمستنصرة بإذن الله ، ولم تطمس كلماتنا وتظل تغطيتنا مستمرة إلى أن ننتصر أو أن نستشهد لوطن نفديه بالروح والدماء .
وأنا وقف أمام مشفى في غزة يجذب انتباهي أناس يصرخون لقد توقفت المشفى عن الخدمة لنفاذ الوقود وانقطاع الكهرباء ،ليهمس لي بأذني طبيبا قائلا لم يعد باستطاعتنا تقديم الخدمة للجرحي ولنفاذ المواد الطبية في المشفى والأهالى يبكون على حياتهم المفقودة وعلى جرحاهم
ذهبت لجنوب غزة استوقفت أناس يحملون حقائبهم وأبنائهم فوق أكتافهم نازحون من بلدهم؟! يسيرون مسافات كبيرة على أقدامهم آملا أن يجدوا الأمان بمكان آخر ويبكون، قائلين لم يعد لنا مكان بغزة لقد قصف العدو الصهيوني بيتنا ، وجعله ركاما ونحن لا نملك غير أشياء بسيطة معنا، والأطفال يشعرون بالعطش وبلا مأوي، الجميع في قطاع غزة يعانون ، من شدة الدمار والصواريخ التي يقذفونها عليهم بلا رحمة أو توقف ؟! لا أحد يعلم متى تنتهي هذه الحرب؟! لم يعد لدنيا من نفقده ، فقدنا كل شيء ، و مازال عدونا الغاشم يبطشنا ، أصبح عدونا يقصفنا بقوة لن تتخيلها، كمجنون جن جنونه أعمى لا يعقل شيئا ولا يبصر !!
تستغيث بي امرأة لأبحث معها عن ولدها فهو مفقود منذ بداية الحرب ، أرهقها البحث عنه كثيرا ، ونحن نبحث عنه نجده مع الأطفال المتوفين ، قبلته وأخذته بحضنها وودعته بقهر لم تنساه بحياتها ؟!
مأساة نعيشها كل يوم في وطننا وكل منا له قصة ألم لم تنتهي بعد ، ليس هناك شيء مستبعد من العدو الصهيوني ، من تعطيش وتجويع المدنيين، وظلام دامس كمستقبل غزة حاليا ، هناك آلاف من المعتقلين لدي الإسرائيليين في سجونهم ظلما وبهتانا ، جريمة وكارثة إنسانية في حق أهل غزة ترتكب كل يوم ، يلاحقون المدنيين بقذائفهم ،
أخذنا سيارة ” ناصر ” صديق لنا قاصدا معبر رفح “بغزة “لأرى عربات المساعدات تقصف بأكملها من عدونا ، أسرعت مهرولا خوفا ورعبا تتسارع دقات قلبي ، وفجأة أصيبت أنا الآخر من قصفهم المستمر وكأنهم لا يريدون أن نصور المساعدات الإنسانية التي أرسلت من معظم الدول العربية ، لا يريدون أن نتكاتف و نكن يد واحدة لمحاربتهم ، بدأ جرحي ينزف وأتأوه ألما والدماء بكل مكان شاهدة على جرائمهم وبطشهم ، هذا ما زاد من غيظهم واستفزازهم؟! أسرع صديقي لحملى لعربة الإسعاف وظل بجانبي إلى أن وصلنا المشفى ، وأنا في حالة لا يرثى لها ولا أفيق ودمائي تغرقني ، أثر إصابة بساقي اليسرى ، الذى حدث بها تهتك كاملا ناتجا عن القصف المستمر لنا ، هذا ما حمل الأطباء على إتخاذ قرارا سريعا لبترها ؟! مازلت لا أعي ما حدث لي بعد القصف ، ومرت بي ساعات بعدها ،وأنا لا أشعر بشيء
حتى أفيق على ألمى مجددا وأشعر أن قدمي قد تم بترها ، فدخلت بنوبة اكتئاب حاد أصبحت إنسانا محطما عاجزا عن عملى ، وأقسمت بأنني سأنقل صوت الحقيقة مهما فعلوا هؤلاء مصاصي الدماء!! ستصدح حناجرنا ليري العالم أجمع حقارتهم وحشيتهم ؟! فالعجب كل العجب مما يحدث لنا من قصص وأهوال رأيتها رأي العين لم تكن فيلما سينمائيا أو فانتازيا تحكى ، ولكنها مشاهد حقيقية أبطالها أهالي غزة ، جرحي وشهداء على يد العدو الصهيوني يشربون دمائنا نخب قذارتهم وجرائمهم ؟! لشعب أعزل يعشق تراب وطنه ومقدساته .
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.