أحدث أخبار الفن والرياضة والثقافة والمرأة والمجتمع والمشاهير في كل المجالات

وَفِي قَلْبِي أَلْف حِكَايَة

 

وَفِي قَلْبِي أَلْف حِكَايَة



بِقَلَم: وِئَام أَحْمَد

أَصْبَحْتُ هَادِئه، صَامِتْه، حَزِينَه، تُرافِقنِي نَظَرَات اِسْتِيَاء قَاتِلَه وَاسْتَمِعْ إلَىٰ هَمسَاتِهم فِي الْخَفَاءِ وَهُم ينتقِدُون مَا أَصْبَحْتُ عَلَيْه، فَقَد خَيَّم الْحُزْنَ عَلَىٰ قَلْبِي، لَا أَحَدَ يَتسَائل مَاذَا حَلّ بِي وَلَكِن فَقَط يَسْتَنْكِرُون.

كَانَت رُوحِي مَلِيئَة بِحُبِّ الْحَيَاة وَلَكِن الْحَيَاة لَمْ تَقْبَلْ بِحُبِّي لَهَا، وَبِمَاذَا أَفَادَنِي التَّحَدُّث إذْ لَمْ يَسْتَمِعْ إِلَىٰ حَدِيثِي أَحَدٌ بِقَلْبِه.

كُنْتُ أَتَعْجَب لِمَاذَا يَهْرَب الْعُصْفُور عِنْدَمَا اقْتَرِب مِنْهُ وَفِي يَدِي طَعَامٌ لَهُ؟ ثُمّ أَيْقَنْت بِأَن الطُّيُور عَكْس الْبَشَر فَهِي تُؤْمِن بِأَن الْحُرِّيَّة أثْمَن مِنْ الطَّعَامِ.

تَعَلَّمْت ألَّا أُكْثِر مِنْ الْحَبِّ، فَأُصبِح كَالْمُزَارِع الَّذِي أَحَبَ نَبَاتَهُ كثِيرًا فَسَقَاهُ كثِيرًا فَمَات صغِيرًا، فَكُل مِياهِ البَحْر لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُغْرِق السَّفِينَة مَا لَم يَتَسَلَّل الْمَاء بِدَاخِلِهَا.

فَلَمْ يَعُدْ جَبْر الْخَاطِر بَيْنَنَا هُو النِّبْرَاسُ الَّذِي نَهْتَدِي بِه، فَالْكَلِمَات كَالبذُور وَلَكِنَّهَا تُغْرَس فِي الْقَلْبِ وَلَيْس الْأَرْض، وَمَهْمَا حَدَث وبِرغَم مَا كَانَ فَعِزُّة النَّفْسِ تَجْعَلْنَا شَامِخِين دُون انْحِنَاء،
فَالْوُقُوف عَلَىٰ قَدَّمِنَا يَمْنَحنَا مِسَاحَةٍ صَغِيرَةٍ فِي الْعَالَم لَكِن الْوُقُوفِ عَلَىٰ مبَادِئنَا يَمْنَحَنَا الْعَالَمَ كُلَّهُ.

فَأَنَا لَسْت حَزِينَة فَقَدْ تَعَدَّىٰ شُعُوري مَعْنَىٰ الْحُزْن بِمَرَاحِل، أصبَحتُ مُنطفِئة وعَالِقة فِي انْتِظَارِ شيء مَا لَا أَعْرِفُهُ، رُبَّمَا انْتَظَر لُطفًا مِنْ اللَّهِ يُمْحِي المَاضِي وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، أَوْ مُسَافِرٍ فِي بَحْرِ الزَّمَنِ الْبَعِيد يَحْمِل النِّصْفَ الْآخَر مِنْ قِصَّتِي المُتهَالِكة، فأنَا إنسَانة تُحِبُ التَّفَاصِيل وَتَسْعَىٰ لِلْكَمَالِ وَالدِّقَّةِ وَالْإِتْقَانِ وَلَدَيْهَا حَسّاسِيَّة شَدِيدَة مِنْ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ والنَظرَات، فدَائمًا مَا تُصَابُ بخيبةِ الْأَمَل بِمَنْ لَا يُشَابِهُ قَلْبهَا أَو يُوَافِق فُؤادهَا.

وَفجأه أُغلقَت النَّوَافِذُ كُلُّهَا فأصبَح قَلْبِي فِي تَعْدَادِ الْمَوْتَىٰ وَلَكِن مَازَال نَبْضِهِ مُنْتَظِم، وَلَكِنَّنِي لَدَيّ يَقِين فِي لُطْفِ اللَّهِ بِأَنَّ يُغَيِّر مَا حَوْلِي، فَهُو الْمُنْقِذ والمُغِيث للغرِيقِ بَل لَدَيْه الْإِجَابَة عَلَىٰ كُلِّ سُؤالٍ مُسْتَحِيلٍ جَال بِخَاطِرِي، بَلْ سَيزْرَع اللّٰه فِي طَرِيقِي الْوَرْد حَتَّىٰ وَإِنْ كَانَت دُرُوبِي جَافَّة وشَاقه وعَسِره ومِعوجَه وَكُلُّهَا مُنعطفَات وَهِضَاب وَعِرَه.
فَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ الْحَيَاةَ مَازالَت تَسْرِي فِي عُرُوقِي.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.